إلى أمر باطن لا يعلمه إلا الله ، فربما ادعيت الولاية لمن ليس بوليّ ، أو ادعاها هو لنفسه ، أو أظهر خارقة من خوارق العادات هي من باب الشعوذة لا من باب الكرامة ، أو من باب السحر ، أو الخواص أو غير ذلك ، والجمهور لا يعرف الفرق بين الكرامة والسحر فيعظمون من ليس بعظيم ويقتدون بمن لا قدوة فيه ـ وهو الضلال البعيد ـ إلى غير ذلك من المفاسد ، فتركوا العمل بما تقدم ـ وإن كان له أصل ـ لما يلزم عليه من الفساد في الدين.
وقد يظهر بأول وهلة أن هذا الوجه الثاني أرجح ، لما ثبت في الأصول العلمية أن كل قربة أعطيها النبي صلىاللهعليهوسلم فإن لأمته أنموذجا منها ، ما لم يدل دليل على الاختصاص.
إلا أن الوجه الأول أيضا راجح من جهة أخرى ، وهو إطباقهم على الترك إذا لو كان اعتقادهم التشريع لعمل به بعضهم بعده ، أو عملوا به ولو في بعض الأحوال إما وقوفا مع أصل المشروعية ، وإما بناء على اعتقاد انتقاء العلة الموجبة للامتناع.
وقد خرّج ابن وهب في جامعه من حديث يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : حدثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته فشربوه ومسحوا به جلودهم ، فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم : «لم تفعلون هذا؟» قالوا : نلتمس الطهور والبركة بذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من كان منكم يحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث ، وليؤد الأمانة ولا يؤذ جاره» ، فإن صحّ هذا النقل فهو مشعر بأن الأولى تركه وأن يتحرى ما هو الآكد والأحرى من وظائف التكليف ، ولا يلزم الإنسان في خاصة نفسه ، ولم يثبت من ذلك كله إلا ما كان من قبيل الرقية وما يتبعها ، أو دعاء الرجل لغيره على وجه سيأتي بحول الله.
فقد صارت المسألة من أصلها دائرة بين أمرين : أن تكون مشروعة ، فدخلت تحت حكم المتشابه أو تكون غير مشروعة والله أعلم.
فصل
ومن البدع الإضافية التي تقرب من الحقيقية أن يكون أصل العبادة مشروعا إلا أنها تخرج عن أصل شريعتها بغير دليل توهما أنها باقية على أصلها تحت مقتضى الدليل ، وذلك بأن يقيد إطلاقها بالرأي ، أو يطلق تقييدها ، وبالجملة فتخرج عن حدها الذي حدّ لها.
ومثال ذلك أن يقال : إن الصوم في الجملة مندوب إليه لم يخصه الشارع بوقت دون