والوجه الثاني : أن لا يكون في الدخول فيه مشقة ولا حرج ، ولكنه عند الدوام عليه تلحق بسببه المشقة والحرج ، أو تضييع ما هو أوكد ، فههنا أيضا يقع النهي ابتداء ، وعليه دلت الأدلة المتقدمة ، وجاء في بعض روايات مسلم تفسير ذلك حيث قال : فشددت فشدّد عليّ ، وقال لي النبي صلىاللهعليهوسلم : «إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر» (١).
فتأملوا كيف اعتبر في التزام ما لا يلزم ابتداء ، أن يكون بحيث لا يشق الدوام عليه إلى الموت! قال : فصرت إلى الذي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما كبرت وددت أنني قبلت رخصة نبي الله صلىاللهعليهوسلم.
وعلى ذلك المعنى ينبغي أن يحمل قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث أبي قتادة رضي الله عنه كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال : «ويطيق أحد ذلك؟» ثم قال في صوم يوم وإفطار يوم : وددت أني طوقت ذلك ، فمعناه ـ والله أعلم ـ وددت أني طوقت الدوام عليه ، وإلا فقد كان يواصل الصيام ويقول : «إني لست كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» (٢).
وفي الصحيح : «كان يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم» (٣).
فصل
إذا ثبت هذا ، فالدخول في عمل على نية الالتزام له إن كان في المعتاد بحيث إذا
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢٤٤ ، الحاشية : ١.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (الحديث : ١١٦٢). وأخرجه النسائي في كتاب : الصوم ، باب : ذكر الاختلاف على غيلان بن جرير فيه ، وأخرجه في باب : صوم ثلثي الدهر (الحديث : ٤ / ٢٠٧). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : في صوم الدهر تطوعا (الأحاديث : ٢٤٢٥ ، ٢٤٢٦).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : الوصال (الحديث : ٤ / ١٧٧). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : في الوصل (الحديث : ٢٣٦١).