تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١) وقالوا : لا يجوز أن يسأل الميت في قبره ، لقول الله تعالى : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٢) فردوا الأحاديث المتواترة في عذاب القبر وفتنته ، وردوا الأحاديث في الشفاعة على تواترها ، وقالوا : لن يخرج من النار من دخل فيها ، وقالوا : لا نعرف حوضا ولا ميزانا ، ولا نعقل ما هذا ، وردوا السنن في ذلك كله ـ برأيهم وقياسهم ـ إلى أشياء يطول ذكرها من كلامهم في صفة الباري ، وقالوا : العلم محدث في حال حدوث المعلوم لأنه لا يقع علم إلا على معلوم ، فرارا من قدم العالم ـ في زعمهم ـ.
وقال جماعة : الرأي المذموم المراد به الرأي المبتدع وشبهه من ضروب البدع ، وهذا القول أعم من الأول ، لأن الأول خاص بالاعتقاد ، وهذا عام في العمليات وغيرها.
وقال آخرون ـ قال ابن عبد البر : وهم الجمهور ـ : إن المراد به القول في الشرع بالاستحسان والظنون ، والاشتغال بحفظ المعضلات ، ورد الفروع بعضها إلى بعض دون ردها إلى أصولها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل ، قالوا : وفي الاشتغال بهذا تعطيل السنن والتذرع إلى جهلها.
وهذا القول غير خارج عما تقدم ، وإنما الفرق بينهما أن هذا منهي عنه للذريعة إلى الرأي المذموم وهو معارضة المنصوص ، لأنه إذا لم يبحث عن السنن جهلها فاحتاج إلى الرأي ، فلحق بالأولين الذين عارضوا السنن حقيقة ، فجميع ذلك راجع إلى معنى واحد ، وهو إعمال النظر العقلي مع طرح السنن ، إما قصدا أو غلطا وجهلا ، والرأي إذا عارض السنّة فهو بدعة وضلالة.
فالحاصل من مجموع ما تقدم أن الصحابة ومن بعدهم لم يعارضوا ما جاء في السنن بآرائهم ، علموا معناه أو جهلوه ، جرى لهم على معهودهم أو لا ، وهو المطلوب من نقله ،
__________________
ـ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) (الحديث : ٢ / ٢٧). وأخرجه مسلم في كتاب : المساجد ، باب : فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (الحديث : ٦٣٣). وأخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : في الرؤية (الحديث : ٤٧٢٩). وأخرجه الترمذي في كتاب : صفة الجنة ، باب : ما جاء في رؤية الله تبارك وتعالى (الحديث : ٢٥٥٤).
(١) سورة : القيامة ، الآيتان : ٢٢ ـ ٢٣.
(٢) سورة : غافر ، الآية : ١١.