وكذلك البناءات المشيدة المحتفلة ، التمتع بها أبلغ منه بالحشوش (١) والخرب ، ومثله المصادرات في الأموال بالنسبة إلى أولي الأمر ، وقد أباحت الشريعة التوسع في التصرفات ، فيعد المبتدع هذا من ذلك.
وقد ظهر معنى البدعة وما هي في الشرع والحمد لله.
فصل
وفي الحد أيضا معنى آخر مما ينظر فيه ، وهو أن البدعة من حيث قيل فيها : إنها طريقة في الدين مخترعة ـ إلى آخره ـ يدخل في عموم لفظها البدعة التّركيّة ، كما يدخل فيه البدعة غير التركية فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريما للمتروك أو غير تحريم ، فإن الفعل ـ مثلا ـ قد يكون حلالا بالشرع فيحرمه الإنسان على نفسه أو يقصد تركه قصدا.
فبهذا الترك إما أن يكون لأمر يعتبر مثله شرعا أو لا ، فإن كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه ، إذ معناه أنه ترك ما يجوز تركه أو ما يطلب بتركه ، كالذي يحرم على نفسه الطعام الفلاني من جهة أنه يضره في جسمه أو عقله أو دينه وما أشبه ذلك ، فلا مانع هنا من الترك : بل إن قلنا بطلب التداوي للمريض فإن الترك هنا مطلوب ، وإن قلنا بإباحة التداوي ، فالترك مباح.
فهذا راجع إلى العزم على الحمية من المضرات وأصله قوله عليه الصلاة والسلام : «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» (٢) ـ إلى أن قال ـ : «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» الذي يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت.
وكذلك إذا ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس فذلك من أوصاف المتقين ، وكتارك
__________________
(١) الحشوش : جمع حشّ وهو النخل المجتمع أو البستان.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ، وفي كتاب : النكاح ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من استطاع منكم الباءة فليتزوج» ، وباب : «من لم يستطع الباءة فليصم» (الحديث : ٤ / ١٠٦). وأخرجه مسلم في كتاب : النكاح ، باب : استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مئونة واشتغال من حجز عن المؤن بالصوم (الحديث : ١٤٠٠). وأخرجه أبو داود في كتاب : النكاح ، باب : التحريض على النكاح (الحديث : ٢٠٤٦). وأخرجه الترمذي في كتاب : النكاح ، باب : ما جاء في فضل التزويج والحث عليه (الحديث : ١٠٨١). وأخرجه النسائي في كتاب : الصوم ، باب : فضل الصيام (الحديث : ٤ / ١٦٩).