جلبها إلى هذا الموضع لشهرتها ، فهو إذا مما كان عليه الصحابة.
فإذا تقرر هذا فعلى الناظر في الشريعة بحسب هذه المقدمة أمران :
أحدهما : أن ينظر إليها بعين الكمال لا بعين النقصان ، ويعتبرها اعتبارا كليّا في العبادات والعادات ، ولا يخرج عنها البتة ، لأن الخروج عنها تيه وضلال ورمي في عماية ، كيف وقد ثبت كمالها وتمامها؟ فالزائد والمنقص في جهتها هو المبتدع بإطلاق والمنحرف عن الجادة إلى بنيّات الطرق.
والثاني : أن يوقن أنه لا تضاد بين آيات القرآن ولا بين الأخبار النبوية ولا بين أحدهما مع الآخر ، بل الجميع جار على مهيع واحد ، ومنتظم إلى معنى واحد ، فإذا أداه بادئ الرأي إلى ظاهر اختلاف فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف ، لأن الله قد شهد له أن لا اختلاف فيه ، فليقف وقوف المضطر السائل عن وجه الجمع ، أو المسلّم من غير اعتراض ، فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين ، أو ليبق باحثا إلى الموت ولا عليه من ذلك ، فإذا اتضح له المغزى وتبينت له الواضحة ، فلا بدّ له من أن يجعلها حاكمة في كل ما يعرض له من النظر فيها ، ويضعها نصب عينيه في كل مطلب ديني ، كما فعل من تقدمنا ممن أثنى الله عليهم.
فأمّا الأمر الأول : فهو الذي أغفله المبتدعون فدخل عليهم بسبب ذلك الاستدراك على الشرع ، وإليه مال كل من كان يكذب على النبي صلىاللهعليهوسلم فيقال له ذلك ويحذر ما في الكذب عليه من الوعيد ، فيقول : لم أكذب عليه وإنما كذبت له.
وحكي عن محمد بن سعيد المعروف بالأردني أنه قال : إذا كان الكلام حسنا لم أر بأسا أن أجعل له إسنادا. فلذلك كان يحدث بالموضوعات ، وقد قتل في الزندقة وصلب. وقد تقدم لهذا القسم أمثلة كثيرة.
وأما الأمر الثاني : فإن قوما أغفلوه أيضا ولم يمنعوا النظر حتى اختلف عليهم الفهم في القرآن والسنة ، فأحالوا بالاختلاف عليها تحسينا للظن بالنظر الأول ، وهذا هو الذي