وإنما جعل الشارع ما تقدم في الأحاديث المذكورة من فساد الزمان وأشراط الساعة لظهورها وفحشها بالنسبة إلى متقدم الزمان ، فإن الخير كان أظهر ، والشر كان أخفى وأقل ، بخلاف آخر الزمان فإن الأمر فيه على العكس ، والشر فيه أظهر والخير أخفى.
وأما كون تلك الأشياء بدعا فغير مفهوم على الطريقتين في حد البدعة فراجع النظر فيها تجده كذلك.
والصواب في المسألة طريقة أخرى وهي تجمع شتات النظرين ، وتحقق المقصود في الطريقتين ، وهو الذي بنى عليه ترجمة هذا الباب ، فلنفرده في فصل على حدته والله الموفق للصواب.
فصل
أفعال المكلفين : بحسب النظر الشرعي فيها ـ على ضربين :
أحدهما : أن تكون من قبيل التعبدات.
والثاني : أن تكون من قبيل العادات.
فأما الأول : فلا نظر فيه هاهنا.
وأما الثاني : وهو العادي ، فظاهر النقل عن السلف الأولين أن المسألة تختلف فيها ، فمنهم من يرشد كلامه إلى أن العاديات كالعباديات ، فكما أنا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها ، فكذلك العاديات ، وهو ظاهر كلام محمد بن أسلم ، حيث كره في سنّة العقيقة مخالفة من قبله في أمر عاديّ ، وهو استعمال المناخل ، مع العلم بأن معقول المعنى نظرا منه ـ والله أعلم ـ إلى أن الأمر باتباع الأولين على العموم غلب عليه جهة التعبد ، ويظهر أيضا من كلام من قال : أول ما أحدث الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم المناخل.
ويحكى عن الربيع بن أبي راشد أنه قال : لو لا أني أخاف من كان قبلي لكانت الجبّانة مسكني إلى أن أموت. والسكنى أمر عاديّ بلا إشكال.
وعلى هذا الترتيب يكون قسم العاديات داخلا في قسم العباديات ، فدخول الابتداع فيه ظاهر ، والأكثرون على خلاف هذا ، وعليه نبني الكلام فنقول :
ثبت في الأصول الشرعية أنه لا بدّ في كل عادي من شائبة التعبد ، لأن ما لم يعقل