ولما كان أهل التصوف في طريقهم بالنسبة إلى إجماعهم على أمر كسائر أهل العلوم في علومهم ، أتيت من كلامهم بما يقوم منه دليل على مدعي السنّة وذم البدعة في طريقتهم حتى يكون دليلا لنا من جهتهم ، على أهل البدع عموما ، وعلى المدعين في طريقهم خصوصا ، وبالله التوفيق.
فصل
الوجه الخامس من النقل : ما جاء منه في ذم الرأي المذموم ، وهو المبني على غير أسّ ، والمستند إلى غير أصل من كتاب ولا سنّة ، لكنه وجه تشريعي فصار نوعا من الابتداع ، بل هو الجنس فيها ، فإن جميع البدع إنما هي رأي على غير أصل ، ولذلك وصف بوصف الضلال ، ففي الصحيح ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله لا ينتزع العلم من الناس بعد إذ أعطاهموه انتزاعا ، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون» (١).
فإذا كان كذلك ، فذم الرأي عائد على البدع بالذم لا محالة.
وخرّج ابن المبارك وغيره ، عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم يحرمون به ما أحل الله ، ويحلون به ما حرم الله» (٢).
قال ابن عبد البر : هذا هو القياس على غير أصل والكلام في الدين بالتخرص (٣) والظن ، ألا ترى إلى قوله في الحديث : «يحلون الحرام ويحرمون الحلال»؟ ومعلوم أن الحلال ما في كتاب الله وسنّة رسوله تحليله ، والحرام ما كان في كتاب الله وسنة رسوله تحريمه ،
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٥٦ ، الحاشية : ٣.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب : السنة ، باب : شرح السنة (الحديث : ٤٥٩٧). وأخرج نحوه أيضا الإمام أحمد في المسند (الحديث : ١٠٢٤).
(٣) اخترص القول : افتعله ، والخرص : الكذب.