الصلاة والسلام : «ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنه أول من سنّ القتل» (١) فسمي القتل سنّة بالنسبة إلى من عمل به عملا يقتدى به فيه لكنه لا يسمى بدعة لأنه لم يوضع على أن يكون تشريعا ولا يسمى ضلالا لأنه ليس في طريق المشروع أو في مضاهاته له.
وهذا تقرير واضح يشهد له الواقع في تسمية البدع ضلالات ، ويشهد له أيضا أحوال من تقدم قبل الإسلام ، وفي زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الله تعالى قال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) (٢) ، فإن الكفار لما أمروا بالإنفاق شحوا على أموالهم وأرادوا أن يجعلوا لذلك الشح مخرجا فقالوا : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه؟ ومعلوم أن الله لو شاء لم يحوج أحدا إلى أحد ، لكنه ابتلى عباده لينظر كيف يعملون ، فقص هواهم على هذا الأصل العظيم ، واتبعوا ما تشابه من الكتاب بالنسبة إليه فلذلك قيل لهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣).
وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) (٤) ، فكأن هؤلاء قد أقروا بالتحكيم ، غير أنهم أرادوا أن يكون التحكيم على وفق أغراضهم زيغا عن الحق وظنا منهم أن الجميع حكم ، وأن ما يحكم به كعب بن الأشرف أو غيره مثل ما يحكم به النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجهلوا أن حكم النبي صلىاللهعليهوسلم هو حكم الله الذي لا يرد ، وأن حكم غيره معه مردود ، إن لم يكن جاريا على حكم الله ، فلذلك قال تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (٥) ، لأن ظاهر الآية يدل على أنها نزلت فيمن دخل في الإسلام لقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ) كذا ـ إلى آخره ، وجماعة من
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٦٢). ومسلم (٥ / ١٠٦). وأخرجه ابن ماجه (٢٦١٦). وأخرجه الترمذي (٢٦٧٣). وأخرجه النسائي (٧ / ٨١). وأخرجه أحمد في المسند (١ / ٣٨٣). وأخرجه الحميدي (الحديث : ١١٨).
(٢) سورة : يس ، الآية : ٤٧.
(٣) سورة : يس ، الآية : ٤٧.
(٤) سورة : النساء ، الآية : ٦٠.
(٥) سورة : النساء ، الآية : ٦٠.