رد القليل إلى الكثير ، والمتشابه إلى الواضح ، غير أن الهوى زاغ بمن أراد الله زيغه فهو في تيه ، من حيث يظن أنه على الطريق ، بخلاف غير المبتدع فإنه إنما جعل الهداية إلى الحق أول مطالبه ، وأخّر هواه ـ إن كان ـ فجعله بالتبع ، فوجد جمهور الأدلة ومعظم الكتاب واضحا في الطلب الذي بحث عنه ، فوجد الجادة ، وما شذ له عن ذلك ، فإما أن يرده إليه ، وإما أن يكله إلى عالمه ولا يتكلف البحث عن تأويله.
وفيصل القضية بينهما قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) (١) ، إلى قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٢). فلا يصح أن يسمى من هذه حاله مبتدعا ولا ضالّا ، وإن حصل في الخلاف أو خفي عليه.
أما أنه غير مبتدع فلأنه اتبع الأدلة ملقيا إليه حكمة الانقياد ، باسطا يد الافتقار ، مؤخرا ، ومقدما لأمر الله.
وأما كونه غير ضال فلأنه على الجادة سلك ، وإليها لجأ ، فإن خرج عنها يوما فأخطأ فلا حرج عليه ، بل يكون مأجورا حسبما بيّنه الحديث الصحيح : «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران» (٣) وإن خرج متعمدا فليس على أن يجعل خروجه طريقا مسلوكا له أو لغيره ، وشرعا يدان به.
على أنه إذا وقع الذنب موقع الاقتداء قد يسمى استنانا فيعامل معاملة من سنّه كما جاء في الحديث : «من سنّ سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها» (٤) الحديث ، وقوله عليه
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب : الاعتصام ، باب : أجر الحاكم إذا اجتهد أو أخطأ (الحديث : ١٣ / ٢٦٨). وأخرجه مسلم في كتاب : الأقضية ، باب : بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (الحديث : ١٧١٦). وأخرجه أبو داود في كتاب : الأقضية ، باب : في القاضي يخطئ (الحديث : ٣٥٧٤).
(٤) أخرجه ابن ماجه في المقدمة (الأحاديث : ١٤ ، ١٥). والدارمي في المقدمة (الحديث : ٤٤). وأحمد (٤ / ٣٥٧ ، ٣٥٩). وأخرجه مسلم في كتاب : الزكاة ، باب : (٦٩) ، وكتاب : العلم ، باب : (١٥). وأخرجه النسائي في كتاب : الزكاة ، باب : (٦٤).