وتغيّره عن إرشاده ثمّ هدّده فقال (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عمّا أنت عليه من ازدراء الآلهة والرّغبة عنها أو من ادّعاء الإرشاد والهداية (لَأَرْجُمَنَّكَ) بالشّتم والعيب ، أو لارجمنّك بالحجارة ، أو هو كناية عن القتل فاحذرنى (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) برهة من الزّمان أو ساعة طويلة (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ) قابل إساءته في اللّفظ بالإحسان فيه وودّعه بعد ما امره بالهجرة (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) قابل تهديده بالرّجم بالاستغفار من الله وطلب التّوفيق له (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) حال ممّا تدعون وسرّ التّقييد بذلك الاحتراز عن دعاء الخلفاء فانّهم ليسوا من دون الله بل من الله ودعاؤهم أيضا من الله (وَأَدْعُوا رَبِّي) والدّعاء هاهنا كناية عن العبادة (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) خائبا ضائع السّعى مثلكم في دعاء آلهتكم وصدّر الحكم بعسى للتّواضع وهضم النّفس ولانّ الاجابة والاثابة بيد الله وليس الّا محض التّفضّل وليس للعباد الّا الرّجاء فانّ الخاتمة غيب ، ومعايب العمل مخفيّة ، والثّبات على حال العبادة الى آخر العمر غير معلوم (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) بالهجرة الباطنيّة عن مقام النّفس الّتى هي كانت موافقة لهم أو بالهجرة الى الشّام (وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) بدل من فارقهم لم يذكر إسماعيل (ع) لتشريفه بذكره فيما بعد مستقلّا ، أو لانّ تشريف إبراهيم (ع) في انظارهم كان بإسحاق ويعقوب (ع) لانّ أنبياء (ع) بنى إسرائيل كانوا منهما (وَكُلًّا) منهما (جَعَلْنا نَبِيًّا وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) ما يمكن ان يوهب للإنسان أو من رحمتنا بنفسه مفعول لكون من التّبعيضيّه اسما أو قائما مقام المفعول الموصوف لقوّة معنى البعضيّة فيه ، أو المفعول محذوف اى وهبنا لهم من رحمتنا محمّدا (ص) ، حذفه لظهوره في المقام أو لادّعاء ظهوره (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) لسان الصّدق عبارة عن الثّناء الجميل على لسان الخلق ، والمراد بالعلىّ الثّناء البالغ المرتفع ، أو المراد بالعلىّ علىّ بن ابى طالب (ع) فانّه كان لسان صدق له في الآخرين لم يكن لسان صدق أشرف منه ، والتّعبير باللّسان عن الثّناء لكونه صادرا منه وجاريا عليه ، نسب الى علىّ (ع) انّه قال : لسان الصّدق للمرء يجعله الله في النّاس خير من المال يأكله ويورّثه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) قرئ بكسر اللّام وفتحها يعنى انّه أخلص عبادته عن الإشراك ، أو أخلصه الله لعبادته أو لنفسه (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) تكرار كان للاشارة الى انّ كلّا شرف له بنفسه والمراد بالنّبىّ الرّفعة أو النّبوّة وكان تأكيدا للرّسول فانّ الرّسول متضمّن للنّبوّة ومستلزم للرّفعة وقد سبق الفرق بين الرّسول والنّبىّ والامام والمحدّث عند قوله (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) من سورة البقرة ، وذكر هناك معنى حديث انّ الرّسول يسمع الصّوت ويرى في المنام ويعاين الملك في اليقظة ، والنّبىّ هو الّذى يرى في المنام ويسمع الصّوت ولا يعاين الملك ، والمحدّث هو الّذى لا يرى ولا يعاين ويسمع الصّوت (وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) وصف للجانب فانّ المراد بحسب التّأويل من الطّور هو الصّدر المنشرح بالإسلام ، وجانبه الأيمن هو الجهة الّتى تلى العقل والغيب (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) حال عن الفاعل أو المفعول أو كليهما فانّ النّجىّ مصدر ووصف مطلق على المفرد والأكثر من المفرد (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا) وهذا تشريف له (أَخاهُ هارُونَ) لمعاضدته وموازرته ولاجابة دعوته من قوله واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي (نَبِيًّا) حالكونه نبيّا بالاستقلال أو مشاركا للنّبىّ لا انّه كان نبيّا بالاستقلال وكان هارون اسنّ من موسى (ع) ، ورد انّ موسى (ع) عاش مائة وستّة وعشرين سنة ، وعاش هارون مائة وثلاثة وثلاثين سنة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ) بن إبراهيم (ع) (إِنَّهُ كانَ