المتواضعين لله ، أو تقلّبك في الأصلاب والأرحام المطهّرة اللّاتى كانت للسّاجدين لله فانّه لم يكن الّا من نكاح صحيح من لدن آدم (ع) وكانت آباؤه موحّدين (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لا سميع سواه (الْعَلِيمُ) لا عليم سواه فانّ سمع كلّ سامع وعلم كلّ عليم سمعه وعلمه النّازلان ، وفي خبر : قال رسول الله (ص) : لا ترفعوا قبلي ولا تضعوا قبلي فانّى أريكم من خلفي كما أريكم من امامى ، ثمّ تلا هذه الآية يعنى إذا كنتم في الصّلوة فلا ترفعوا رؤسكم من السّجدة ولا تضعوها للسّجدة قبلي ، والاستشهاد بالآية يدلّ على انّ الأمر بالتّوكّل كان من الله وانّ المأمور بالتّوكّل هو نفسه باعتبار مقام نفسه وانّ المتوكّل عليه هو نفسه أيضا بحسب مقام روحه الّذى هو مقام الولاية وهو الموصوف بالعزّة والرّحمة وبالرّؤية في جميع الأحوال (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ) لما ذكر انّ القرآن ما تنزّل به الشّياطين اشتاق نفوس السّامعين لبيان من تنزّل عليه الشّياطين وما تنزلون به فقال تعالى هل انبّئكم (عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) من موصولة والظّرف متعلّق بانبّئكم أو استفهاميّة والظّرف متعلّق بتنزّل (تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ) من إفك كضرب وعلم إفكا بالفتح والكسر والتّحريك كذب ، أو من افكه عنه كضرب صرفه وقلّبه أو قلّب رأيه ، أو من إفك فلانا جعله يكذب (أَثِيمٍ) يعنى انّ الشّياطين لمّا كانوا بحسب وجودهم وذواتهم كاذبين منحرفين عن الصّراط المستقيم ومنكوسين مقلوبين لا يتنزّلون الّا على الكذّاب المنكوس الّذى بفطرته يصرف قوى وجوده ومن في خارج وجوده عن الحقّ والاستقامة للزوم السّنخيّة بين النّازل والمنزل عليه والأثيم الّذى يفعل الأفعال الّتى لم تكن على الصّراط المستقيم الانسانىّ (يُلْقُونَ) اى الشّياطين (السَّمْعَ) يعنى يصعدون الى السّماء لاستراق السّمع من الملائكة ويستمعون منهم ثمّ يتنزّلون الى اسناخهم من الانس ويخبرونهم (وَ) لكن (أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) فانّ مسموعاتهم وان كانت حقّة لكنّها إذا وصلت إليهم ودخلت اصماخهم تنصرف عن وجهتها الحقّانيّة وتصير باطلة فانّ وجودهم كالمرآة المعوّجة الّتى لا يرى فيها الصّور الّا على خلاف ما هي عليه ، أو يلقى الشّياطين المسموع الى اسناخهم الانسيّة أو يلقى الافّاكون السّمع للشّياطين وينقادونهم لاستماع اكاذيبهم ، وضمير أكثرهم راجع الى الشّياطين أو الى الافّاكين فانّ الكلّ يكونون بحال إذا وصل الصّدق إليهم صار كذبا وانّما قال أكثرهم لانّ القليل من الشّياطين والقليل من الافّاكين فطرتهم باقية على الاستقامة ولا يصير الحقّ في وجودهم باطلا ويبقى الصّدق على صدقه في وجودهم (وَالشُّعَراءُ) جمع الشّاعر والشّاعر من شعر به كنصر وكرم شعرا بالكسر وشعرا بالفتح علم به وفطن له وعقله ، ولمّا كان الشّاعر الآتي بالكلام الموزون سريع التّفطّن بالألفاظ المتناسبة المتناسقة والمعاني الدّقيقة غلّب في العرف اسم الشّعر على كلامه الموزون ، واسم الشّاعر عليه ، ولمّا كان الأغلب انّ الشّعراء يظهرون الأباطيل والأكاذيب بصورة الحقّ بتمويهات وتزيينات نقل عن الشّعر والشّاعر اسم الشّعر والشّاعر الى كلام باطل مموّه ظاهر بصورة الحقّ والى قائله ، ومنه القياسات الشّعريّة للقياسات الوهميّة الباطلة المموّهة الظّاهرة بصورة القياس الحقّ الصّادق ، ولمّا كان القرآن ذا وجوه بحسب طبقات النّاس ويراد منه كلّ وجوهه بحسب طبقات النّاس والمراد بالحمل على الحسن الوجوه كما مضى في المقدّمات الحمل على أحسن الوجوه الاضافىّ صحّ تفسير قوله تعالى : والشّعراء (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) بالّذين يأتون بالكلام المنظوم كما نقل انّ المراد شعراء العرب كانوا يأتون بالكذب والأباطيل وكانوا يهجون النّبىّ (ص) وكان جمع من الغاوين يجتمعون إليهم ويستمعون كلامهم وذكروا أسماءهم وعددهم ، وصحّ تفسيره بالقصّاص الّذين كانوا في الأسواق والمحافل ينقلون الحكايات والأسمار الّتى لا أصل لها ولا حقيقة ، وصحّ تفسيره بالوعّاظ الّذين يعظون ولا يتّعظون ، وبالفقهاء والقضاة الّذين يفتون ويقضون بين النّاس من غير اذن واجازة من الله أو من خلفائه كفقهاء