في العمل (إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) بدل من يوم الحسرة والمعنى إذ قضى امر الخلائق وحسابهم فيدخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النّار النّار ويؤتى بالموت في صورة كبش فيوقف بين الجنّة والنّار بحيث يراه أهل الجنّة وأهل النّار جميعا ثمّ ينادون أشرفوا وانظروا الى الموت فيشرفون وينظرون ثمّ يذبح الموت ثمّ يقال يا أهل الجنّة خلود فلا موت أبدا ، ويا أهل النّار خلود فلا موت أبدا. اعلم ، انّ الإنسان من اوّل استقرار مادّته في الرّحم في الخلع واللّبس ، وفي التّرك والأخذ ، وفي البيع والشّراء ، وفي الموت والحيوة ، وفي النّشر والحساب ، وهذه الحال مستمرّة له الى انقضاء الحيوة الدّنيا وبعد انقضاء الحيوة الدّنيا ان كان من أهل البرزخ كان عليه هذه الحالة الى انقضاء البرزخ والوصول الى الأعراف ، وبعد الوصول الى الأعراف والحكم على أهل النّار بدخول النّار وعلى أهل الجنّة بدخول الجنّة يتمّ تلك الأحوال وينقضي ذلك الاستبدال وينقطع الموت وهذا معنى قضاء الأمر وذبح الموت (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) حال من جملة انذرهم (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ) جواب لسؤال مقدّر ولذلك اكّده استحسانا كأنّه قيل : إذا قضى الأمر من كان في الدّنيا ومن كان مالكا فيها؟ ـ قال تعالى : انّا نرث الأرض يعنى ينقضي الانانيّات ولا يبقى حين قضاء الأمر لأحد مالكيّة وانانيّة ، ويظهر انّ الأرض والانانيّات الّتى تكون مصدرا للمالكيّة كانت كلّها لله (وَمَنْ عَلَيْها) فانّ من عليها عبارة عن الانانيّات الّتى يترائى انّها غير الله (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) يعنى انّ الاملاك والملّاك الّذين هم عبارة عن الانانيّات تخلّف عنهم ونحن نرثها وذواتهم من دون املاكهم وانانيّاتهم ترجع إلينا بالحشر الى مظاهر القهر أو مظاهر اللّطف (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) فانّ ذكر الأخيار وذكر أحوالهم وسيرهم وسماعها واستماعها مؤثّرة في النّفوس وجاذبة لها الى جهة العلو ، كما انّ ذكر الأشرار وذكر أحوالهم وسيرهم زاجرة للنّفوس الخيّرة (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) تعليل لسابقه ، والصّدّيق مبالغة في الصّادق وهو الّذى يصير صادقا في أقواله وأفعاله وعلومه وأحواله ونيّاته وأخلاقه بحيث يؤثّر صدقه في مجاورة فيصير سببا لصدقه ، وصدق المذكورات بان تكون مطابقة لما ينبغي ان يكون الإنسان عليه ، ولازم هذا ان يصير صاحبه نبيّا ولذلك قال (صِدِّيقاً نَبِيًّا) اعمّ من الرّسول (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ) إذ تعليل لسابقه أو اسم خالص بدل من إبراهيم (ع) بدل الاشتمال ، أو ظرف لكان أو لصدّيقا أو نبيّا وقد سبق ذكر الاختلاف في كونه أباه أو جدّه لامّه أو عمّه (يا أَبَتِ) تلحق التّاء بالأب مضافة الى الياء للاستعطاف أو للتّعطّف ولذلك كرّر لفظ يا أبت (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ) استفهام إنكارىّ والتّعليق على الموصول للاشعار بعلّة الإنكار (وَلا يُبْصِرُ) فانّ غير السّميع البصير لا يتأتّى منه ما يطلب من المعبود (وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) شيئا قائم مقام المصدر اى لا يغني عنك إغناء ولا يقوم مقامك قياما ما ، أو هو مفعول به للا يغني اى لا يغني عن حركتك شيئا من الجلب والدّفع بان يجلب نفعا أو يدفع ضرّا بدون الاحتياج الى حركتك وتسبيبك فيه (يا أَبَتِ) تكرار النّداء والمنادي للتّعطّف أو الاستعطاف كما ذكر سابقا (إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) من العلم حال مقدّم (ما لَمْ يَأْتِكَ) واستعمال المجيء للاشارة الى انّ علمه ليس كسبيّا تحصيليّا وانّما هو من الله قال ذلك ليكون حجّة على الأمر باتّباعه ولذلك قال (فَاتَّبِعْنِي) بفاء الجزاء (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) مستوى الطّرفين أو كناية عن المستقيم (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) لكون العذاب والرّحمة الرّحيميّة صورتي الرّحمة الرّحمانيّة نسب العذاب الى الرّحمن (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) مواليا أو قرينا (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ) أتى بألفاظ غليظة في مقابلة استعطافه اشعارا بغضبه