وغيرهم (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) بالله أو بالآخرة أو بالدّين أو يصيرون مشركين (لِيَكْفُرُوا) هذا من قبيل فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزنا اى صار غاية اشراكهم الكفران (بِما آتَيْناهُمْ) من نعمة الإنجاء أو مطلق النّعم (وَلِيَتَمَتَّعُوا) في حيوتهم الدّائرة فانّ من كان متذكّرا لأنعم الله وانعامه لا يتيسّر له التّمتّع بمستلذّات الحيوانيّة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عقوبة الإشراك ووبال التّمتّع في الحيوة الحيوانيّة أو سوف يعلمون انّ ذلك كان خطاء ووبالا (أَ) يكفر أهل مكّة بنعمه ويشركون به (وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) اى لهم فانّ الحرم قديما وحديثا كان بالمواضعة آمنا اهله من الصّدمات الواردة على سائر البلاد وسائر العرب وكان آمنا بمشيّة الله من تعرّض المتعرّضين له مثل تعرّض ملك اليمن لخرابه (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) بالقتل والأسر (أَ) أهواءهم يتّبعون (فَبِالْباطِلِ) الّذى هو أهواءهم اوّلا ، والشّياطين ثانيا ، والأصنام والكواكب أو شركاء الولاية ثالثا (يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ) الّتى هي جعل الحرم آمنا لهم أو جملة نعم الله أو الولاية الّتى هي أصل كلّ النّعم (يَكْفُرُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) مفعول به لافترى إذا كان على التّجريد ، أو مفعول مطلق من غير لفظ الفعل وهذه العبارة تستعمل في اظلميّة المفترى وان كانت بمفهومها اللّغوىّ اعمّ منه ، والافتراء على الله اعمّ من ان يجعل ما لم يأذن به شريكا له أو يفتي أو يقضى بين النّاس أو يؤمّ النّاس به أو يترأّس من غير اذن واجازة من الله وخلفائه ، فانّ الاجازة من الله أو خلفائه تجعل وجود المجاز كالانفحة الّتى تورث في كلّ لبن وصل إليها كيفيّة بها تنعقد وتصير جبّنا وبدون الاجازة لا يؤثّر ملاقاة العالم ولا قوله ولا البيعة معه بل يكون العالم اضرّ على ضعفاء العقول من جيش يزيد لعنه الله على أصحاب الحسين (ع) لانّ ملاقاة العالم حينئذ والبيعة معه يبطل استعداد الملاقى في الأغلب ، ومن هذا يعلم حال من يقول : لا حاجة لي الى الاجازة بل النّاس محتاجون الى إجازتي (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِ) اى الأمر الثّابت أو الولاية فانّها الحقّ حقيقة وسائر الأشياء حقّيّتها لا تكون الّا بها (لَمَّا جاءَهُ) من نبىّ وقته (ع) بنصبه وتعيينه لولىّ الأمر (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال المفترى والمكذّب واين يكون مقامه؟ ـ فقال : حاله انّه كافر فانّه ما لم يستر الحقّ ووجهته لا يمكنه الافتراء والتّكذيب ، وكلّ كافر مثواه جهنّم ، لكنّه ادّاه بهذه العبارة تأكيدا له واشعارا بانّ كفر مثله لا حاجة له الى البيان (وَالَّذِينَ جاهَدُوا) عطف على قوله : ومن أظلم فانّه في معنى لا أظلم ممّن ترك المجاهدة فينا واستبدّ برأيه وتوسّل بانانيّته بالافتراء علينا والتّكذيب للحقّ ، والّذين جاهدوا بالقتال الظّاهر أو بالقتال الباطن ، أو أتعبوا أنفسهم أو بالغوا في الجهد والتّعب (فِينا) اى في طلبنا أو في محبّتنا أو في طريقنا الّتى هداهم خلفاؤنا إليها أو في تعظيمنا أو في التّوسّل بنا بالتّوسّل الى خلفائنا (لَنَهْدِيَنَّهُمْ) اى لنسلكنّهم أو لنوصلنّهم أو لنرينّهم (سُبُلَنا) المعوجّة والمستقيمة جميعا (وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) وضع الظّاهر موضع المضمر للاشارة الى قياس اقترانىّ يعنى من هديناه سبلنا جميعا صار محسنا أو من جاهد فينا كان محسنا ، وكلّ من كان محسنا كان الله معه لانّ الله مع المحسنين ، أو المراد بالمجاهدين من كان في الطّريق وفي السّفر الاوّل والثّانى ، والمراد بالمحسن من سار في الخلق بالحقّ ومن سار في السّفر الرّابع فانّه المحسن على الإطلاق كما مضى في سورة المائدة عند قوله تعالى (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) والمعنى الّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا ، والّذين وصلوا إلينا ثمّ عادوا الى الخلق كان الله الّذى هو غيب عن المجاهدين حاضرا معهم ، ووجه الالتفاتات في تلك الآيات موكول الى ذوق النّاظر ، والله موفّق للرّشاد.