الى الله ، أو ممّن هدينا قائم مقام المبتدأ ، وذا تتلى خبر عنه يعنى بعض ممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى (عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً) لكمال خضوعهم لله وتواضعهم لآياته (وَبُكِيًّا) لكمال خوفهم من الله ولالتجائهم اليه وقرئ بكيّا بضمّ الباء على الأصل ، وبكسرها على الاتّباع (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) الخلف بالسّكون يقال للعقب السّوء وبالتّحريك للحسن ، ويستعمل كلّ في كلّ (أَضاعُوا الصَّلاةَ) بتركها أو تأخيرها عن مواقيتها كما أشير اليه في الخبر (وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) قيل في بيان اتّباع الشّهوات كانوا شرّابين للقهوات ، ركّابين للشّهوات ، متّبعين للّذّات ، تاركين للجماعات ، وعن أمير المؤمنين (ع) في بيانه من بنى الشّديد (١) وركب المنظور ولبس المشهور.
اعلم ، انّ الصّلوة والزّكاة كما حقّق في اوّل الكتاب في اوّل سورة البقرة عبارة عن اللّبس والخلع ، وهما ثابتان للإنسان من اوّل استقرار نطفته في الرّحم الى آخر عمره ، لكنّ الخلع واللّبس الى مقام التّكليف والقرب له يكونان بالتّكوين الإلهيّ وعلى الطّريق الانسانىّ وفي مقام التّكليف إذا كانا بالأمر الإلهيّ كانا في الطّريق الانسانىّ ، وإذا لم يكونا بالأمر الإلهيّ لم يكونا في الطّريق الانسانىّ بل كانا في الطّريق النّفسانىّ وبمداخلة الشّهوات النّفسانيّة وكلّ فعل أو قول أو حال له جهة إلهيّة وجهة نفسانيّة بمعنى انّه ان كان بمحض الأمر الإلهيّ حصل منه فعليّة إلهيّة ولبس في الطّريق الانسانيّة وحصل طرح لفعليّة نفسانيّة بواسطة طرح انانيّة من النّفس ، والفعليّة الإلهيّة يعنى اللّبس في الطّريق الانسانيّة هي الصّلوة حقيقة وطرح اقتضاء النّفس وانانيّتها هي الزّكاة حقيقة ، فعلى هذا كان اضاعة الصّلوة عبارة عن الغفلة عن الأمر الالهىّ في الفعل ، اىّ فعل كان ، واتّباع الشّهوات عبارة عن لحاظ اقتضاء النّفس في الفعل ، اىّ فعل كان ، فانّ المصلّى إذا كان صلوته صادرة من اقتضاء نفسه سواء كان ذلك الاقتضاء إمضاء عادة كما هو حال أكثر النّاس أو مراياة أو إعجابا أو جلب نفع في الدّنيا أو دفع ضرّ فيها أو دخول الجنّة ، أو عدم دخول النّار ، أو قربة من الله ، أو كونه مرضيّا من الله كان مضيعا للصّلوة ، ومتّبعا للشّهوة ، وان كان فاعلا لصورة الصّلوة ، وإذا كان القاضي لشهوته من حلاله ناظرا الى امر ربّه وإباحته كان مصلّيا ، وان كان قاضيا لشهوته فالمقصود من الصّلوة هو جهة الأفعال لا صورة الأعمال ، وهكذا الحال في اتّباع الشّهوات ، وحديث علىّ (ع) في بيان اتّباع الشّهوات يشعر بذلك (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) في الآخرة بناء على تجسّم الأعمال ، أو جزاء غىّ ، أو المراد بالغىّ الشّرّ والخيبة ، أو الغىّ واد في جهنّم (إِلَّا مَنْ تابَ) عن اتّباع الشّهوات في الأفعال (وَآمَنَ) بالبيعة العامّة أو الخاصّة ، أو أذعن انّ الأعمال لها جهة إلهيّة وجهة نفسانيّة (وَعَمِلَ صالِحاً) طبق ما أخذ عليه في بيعته أو عمل صالحا يعنى بالأمر الالهىّ حتّى يصير صالحا ، واقامة للصّلوة لا اضاعة أو اتّباعا للشّهوات (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) قرئ بضمّ الياء وفتح الخاء وبفتح الياء وضمّ الخاء (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) بنقص شيء من ثواب أعمالهم (جَنَّاتِ عَدْنٍ) بدل من الجنّة ولا منع في ابدال الجمع عن المفرد إذا كان المفرد في معنى الجمع ، أو منصوب بفعل محذوف مقطوع عن التّبعيّة للمدح ، والجنّات طبقات وكلّ طبقة منهما جنّات ، وجنّة عدن آخرة الجنّات الّتى لا تجاوز عنها لمن وصل إليها ، ولذلك سمّيت بجنّة عدن فانّ العدن بمعنى الاقامة بخلاف سائر الجنّات فانّها ليست محلّ اقامة لكلّ من وصل إليها (الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) حالكون الجنّات بالغيب ، أو حالكون الرّحمن بالغيب ، أو حالكون العباد بالغيب من الله بمعنى كون الله غائبا عنهم (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) جواب سؤال ناش
__________________
(١) اى البناء المحكم وركب ما ينظر اليه النّاس لحسنه ولبس ما يشتهر بالحسن وهذا معنى لباس الشّهرة.