في البرازخ وقبل البعث مثل بقائكم في الأرحام (ما نَشاءُ) اى مدّة مشيّتنا ، أو نقرّ الّذى نشأ من النّطف ونزيل ما نشاء من الأرحام (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) اقلّه ستّة أشهر وأكثره تسعة أشهر ، وفي خبر إذا حاضت المرءة في حملها زاد ايّام الحمل على التّسعة بقدر ايّام الحيض ، وفي خبر آخر : إذا جاءت به لاكثر من سنة لم تصدّق ولو ساعة واحدة ، وعن العامّة أكثره آخر اربع سنين (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) حال عن المفعول وافراده امّا على تقدير نخرج كلّ واحد منكم أو بلحاظ انّه اسم جنس يطلق على الواحد والأكثر ، أو باعتبار انّه في الأصل مصدر مطلق على الواحد والكثير (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا) عطف على محذوف اى لتبقوا وترضعوا وتمنوا ثمّ لتبلغوا ، أو متعلّق بمحذوف اى ثمّ ننميكم ونبقيكم لتبلغوا (أَشُدَّكُمْ) كما لكم في القوّة والعقل ، قد مضى انّ الاشدّ هو وقت كمال جميع القوى البدنيّة والنّفسانيّة وهو من ثماني عشرة سنة أو من اوّل البلوغ الى ثلاثين أو أربعين وهو مفرد على لفظ الجمع ، أو جمع لا واحد له من لفظه ، أو واحده الشّدّة بالكسر كالنّعمة والانعم ، أو الشّدّ كالكلب والأكلب أو الشّدّ كالذّئب والاذؤب لكنّه لم يسمع هذان (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) جملة حاليّة أو عطف باعتبار المعنى كأنّه تعالى قال : منكم من يقرّ بمادّته في الأرحام ، ومنكم من يسقط ، ومنكم من يتوفّى قبل البلوغ أو حين البلوغ (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) اى أرذل أوقات العمر وهو وقت الخرافة وعدم التّفطّن بدقائق المقصود والمصنوع وهو يختلف بالنّسبة الى الأشخاص فربّ معمّر لا يصير خرفا في المائة أو أكثر ، وربّ رجل يصير خرفا في الخمس والسّبعين ولذلك اختلف الاخبار في بيان وقت أرذل العمر (لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) اللّام للغاية لانّ عدم العلم بعد العلم من الغايات العرضيّة لا انّه علّة غائيّة لانّ العلّة الغائيّة للإبقاء هي الاستكمال بالعلم والعمل ، لا زوال العلم بعد الاستكمال به ، أو هو علّة غائيّة بمعنى انّ العلوم الدّنيويّة والإدراكات البشريّة الحاصلة بالمدارك الدّنيويّة من الموذيات في الآخرة ويبقى الله بعض عباده لان يضعف مداركه الدّنيويّة ويزول عنها مدركاتها ليكون على راحة منها في الآخرة ولذلك كان خير ابن آدم في ان يبقى بعد البلوغ الى الشّيخوخة كما في الخبر لانّ بقاء الإدراكات الدّنيويّة موذ لصاحبها في الآخرة ، ونعم ما قيل :
سينه خود را برو صد چاك كن |
|
دل از اين آلودگيها پاك كن |
(وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) خالية عن النّبات والجملة خطاب لغير معيّن وعطف على الجزاء ، أو على الشّرط والجزاء ، كأنّه خاطبهم جميعا في مقام الاستدلال على جواز البعث فقال : وترون الأرض هامدة (الآية) أو الخطاب لمحمّد (ص) وعطف باعتبار المعنى وتعريض بالمنكرين للبعث كأنّه قال : ترى النّطفة وتقليباتها وإماتاتها واحياءاتها فكيف تنكر البعث وترى الأرض هامدة؟! (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ) تحرّكت ونشطت ، شبّه الأرض في استسقاء الماء وتحريك الحبوب والعروق للنّبت والنّموّ بمن شرب ونشط وتحرّك نشاطا (وَرَبَتْ) انتفخت وارتفعت بالنّبات (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) اى صنف (بَهِيجٍ) حسن رائق (ذلِكَ) المذكور من تقليبات النّطفة وطروّ حالاتها وإماتاتها واحياءاتها وحيوة الأرض بعد موتها بانزال الماء عليها (بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) يعنى بانّ للعالم مبدء قادرا عليما حكيما ذا عناية ورأفة بخلقه ولو لا ذلك المبدء لما وقع هذه التّقليبات الّتى يعجز عن ادراك دقائقها وادراك نضد أسبابها الحكماء العقلاء (وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى) يعنى بسبب انّ عادته تعالى احياء الموتى اىّ ميّت كان فاذا لم يدع الأرض الميتة ولا النّطفة الميتة ويحييهما فكيف يدع الإنسان الّذى هو أشرف الكلّ