من غير اشارة وذات للعارف كما ورد عنهم (ع) اعرفوا الله بالله يعنى لا بمظاهره وأسمائه وصفاته لا يحصل العلم التّامّ بالله الّا برفع النّظر عن المعاليل والتّوجّه الى الله وتحقيق حقيقته حتّى يقال علمت الله بالله ، والحاصل انّه لو كان الواجب متعدّدا لزم انقلاب الواجب ممكنا وفيه بطلان العالم وفساد السّماوات والأرض لانّها ممكنة والممكن ما لم يستند الى واجب لم يوجد ، أو صيرورة المتعدّد واحدا وهو المطلوب ، أو عدم انتهاء عدد الواجب الى حدّ وهو خلاف المدّعى (فَسُبْحانَ اللهِ) يعنى إذا كان التّعدّد مورثا لابطال السّماوات والأرض فتنزّه الله تنزّها (رَبِّ الْعَرْشِ) الّذى هو جملة المخلوقات (عَمَّا يَصِفُونَ) اى عن الّذى يصفونه به من الشّريك أو عن وصفهم له بالشّريك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) حال أو جواب لسؤال مقدّر أو معترضة والمقصود انّه لا يحكم عليه بالسّؤال عنه في أفعاله ليكون دليلا على ألهته (وَهُمْ يُسْئَلُونَ) يعنى يحكمون عليهم ليكون دليلا على عدم آلهتهم والضّمير راجع الى المعبودين أو الى العابدين والمعبودين ، أو الى العابدين فقط للتّهديد ، أو المعنى لا ينبغي ان يسأل عمّا يفعل لانّه لا يفعل ما يفعل الّا لحكم ومصالح عديدة متقنة لا يمكن احصاؤها وهم ينبغي ان يسألون بجهلهم بالغايات وعدم اهتدائهم الى المصالح (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) دون بمعنى تحت وفوق وبمعنى امام ووراء من الاضداد وبمعنى غير وبمعنى المكان القريب من الشّيء والمناسب هاهنا ان يجعل دون بمعنى امام أو عند يعنى بمعنى المكان القريب حتّى يكون تأسيسا ، فانّ قوله تعالى (لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ومن عنده أبطل تجويز كون شيء في العالم إلها عبد أم لم يعبد ، وقوله تعالى (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) أبطل تجويز جعل شيء بالمواضعة من عند أنفسهم آلها فان اتّخاذ الآلهة من الأرض سواء جعل من الأرض صفة لآلهة أو متعلّقا باتّخذوا يشعر بكون الاتّخاذ بالمواضعة من عند أنفسهم ، لا من عند الله ، وقوله تعالى أم اتّخذوا من دونه آلهة يشعر بكون الاتّخاذ بالمواضعة الإلهيّة وباذنه وأجازته كما إذا قيل جعلوا أميرا لهم من ملكهم ، وقيل : جعلوا أميرا لهم من عند الملك ، فانّ الاوّل يدلّ على انّ الجعل كان بالمواضعة من عند أنفسهم ، والثّانى يدلّ على كون ذلك بإذن الملك وتقديم من دونه هاهنا على الآلهة لشرافته بإضافته الى الله تعالى وهو حال من آلهة أو متعلّق باتّخذوا (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) لمّا كان الاتّخاذ بالمواضعة من عند أنفسهم يستدعى صحّة الآلهة في نفس الأمر للمأخوذ آلها أبطل آلهة المأخوذين آلهة اوّلا بقوله على سبيل الانكارهم ينشرون وأبطل آلهة مطلق ما يتصوّر آلها ثانيا بقوله لو كان فيهما (الآية) بعد ما أبطل الآلهة مطلقا قبل ذلك بقوله : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) (الى آخرها) ولمّا كان الاتّخاذ بالمواضعة الإلهيّة لا يستدعى صحّة الآلهة في نفس الأمر بل يكفى صحّة كون المأخوذ آلها بإذن الله مظهرا لآلهة الله بخروجه من حدود نفسه وظهور ربّه فيه قال قل هاتوا برهانكم على اذن الله في آلهة شيء ممّا اخذتموها آلهة ، ولمّا كان الأمر للتّعجيز والمقصود منه نفى البرهان على المدّعى قال (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) في مقام التّعليل لعدم البرهان يعنى هذا القرآن ذكر من معى موجود وأحكامهم (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) ولم يكن في احكام من معى ولا في احكام من قبلي ما يدلّ على اذنه تعالى في اتّخاذ ما أخذتموه الهة (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) الاوّل تعالى وصفاته حتّى يعلموا اذنه وترخيصه في آلهة شيء أو لا يعلمون الحقّ الثّابت فيتفوّهون بما يتخيّلون من غير علم بحقّيّته كالمجنون ، والتّقييد بالأكثر لانّ الاقلّ منهم يعلمون بطلان الآلهة ويقولون بآلهتها لأغراض نفسانيّة ، وقرئ الحقّ بالرّفع خبر مبتدء محذوف ، أو مبتدء خبر محذوف (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن الحقّ لذلك (وَما أَرْسَلْنا) جملة حاليّة (مِنْ قَبْلِكَ مِنْ