(مُبِينٌ) واضح أو موضح أنكر قولهم لربّنا البنات ، والملائكة بنات الله ، ثمّ أنكر نسبة الانوثة الى الملائكة الّذين هم منزّهون عن دنس الذّكورة والانوثة ثمّ أنكر شهودهم حين خلق الملائكة والحال انّ الانوثة والذّكورة لا تعلمان الّا بالشّهود ، ثمّ أنكر نسبة الولد اليه وصرّح انّها من جملة إفكهم وصرّح بانّهم كاذبون تأكيدا ، ثمّ عيّرهم على نسبة البنات اليه والبنين الى أنفسهم مع انّه إذا نسب البنات إليهم ظلّت وجوههم مسوّدة ، ثمّ عيّرهم على عدم تذكّر قبح ذلك مع انّه يتذكّر قبح أمثال ذلك كلّ ذي شعور ، ثمّ عيّرهم على القول بلا حجّة خصوصا أمثال هذا القول ، ثمّ طالبهم بالحجّة إلزاما لهم على الإقرار بعدم الحجّة ، كلّ ذلك لتأكيد قبح هذا القول ولتأكيد تعيير قائله (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في هذا القول ونسبة الولد الى الله ، فانّ الصّادق لا بدّ له من حجّة على دعواه أو ان كنتم صادقين في ادّعاء الحجّة والكتاب (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) قيل : انّهم تارة يقولون الملائكة بنات الله ، وتارة يقولون : الجنّ بنات الله ، أو بعضهم يقولون : الجنّ بنات الله ، وبعضهم يقولون : الملائكة بنات الله ، وقيل : انّ مرادهم بالجنّ ، الملائكة سمّوهم جنّا لاستتارهم ، وقيل : قالوا انّ الله صاهر (١) الجنّ فخرجت الملائكة ، وقيل : قالوا ، الله والشّيطان اخوان والله خالق الخير ، والنّور والشّيطان خالق الشّرّ والظّلمة ، وقيل : المراد بالنّسبة النّسبة في العبادة فانّ بعضهم يعبدون إبليس ويقولون انّه احقّ بالعبادة من الله أو مثله في العبادة (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) في الحساب أو في النّار ، وضمير انّهم للجنّة أو للمشركين أو للمجموع (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) في حقّه من الولد والنّسبة والمصاهرة (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء من فاعل يصفون أو من مرفوع لمحضرون أو استثناء منقطع (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) من الملائكة والجنّة والشّياطين وغير ذلك من المعبودات (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) اى على ما تعبدون أو على الله أو على هذا الوصف (بِفاتِنِينَ) بمفسدين النّاس ومضلّيهم والجملة جزاء شرط محذوف اى إذا كان الله منزّها عمّا تقولون بأفواهكم من غير تحقيق والمنزّه عن المادّة ونقائصها لا يمكن للمادّىّ التّصرّف فيه فانّكم ومعبوداتكم لا تقدرون افتتان النّاس على خلاف امره التّكوينىّ (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) داخل فيها محرق بها يعنى من كان بالفعل داخل نار الجحيم وان لم يكن شاعرا بالدّخول لكون مداركه خدرة غير متأثّرة بحرقتها (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) هذا قول الملائكة ردّا على عابديهم والجملة حاليّة بتقدير القول أو معطوفة والمعنى انّهم يقولون ما منّا الّا له مقام معلوم ، وقيل : هذا قول جبرئيل (ع) للنّبىّ (ص) وعن الصّادق (ع) قال : أنزلت في الائمّة والأوصياء من آل محمّد (ص) والمعنى ما منّا أحد الّا له مقام في العبوديّة لا نتجاوزه فكيف نكون معبودين مراقبين لعابدينا وحافظين لهم وناصرين لهم؟ (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) في العبادة والخدمة لا انّه يصفّ العباد لنا (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) لله لا انّه يجوز ان يسبّحنا أحد ، وعن الصّادق (ع) كنّا أنوارا صفوفا حول العرش نسبّح فيسبّح أهل السّماء بتسبيحنا ، الى ان هبطنا الى الأرض فسبّحنا فسبّح أهل الأرض بتسبيحنا وانّا لنحن الصّافون وانّا لنحن المسبّحون (وَإِنْ كانُوا) انّهم كانوا (لَيَقُولُونَ) اى المشركون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) اى كتابا من كتبهم ، أو شريعة من شرائعهم ، أو نبيّا من أنبيائهم (ص) (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ) اى بالذّكر الّذى هو محمّد (ص) أو القرآن أو شريعة محمّد (ص) أو ولاية علىّ (ع) (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) بالوعد والنّصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) أو المعنى لقد سبقت كلمتنا الّتى هي فعليّة الانسانيّة
__________________
(١) اى تزوّج منهم بنتا فولدت له الملائكة.