مع هذه الإنذارات؟ ـ فقال : انّما تنذر يا من ينذر ، أو يا محمّد (ص) (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يعنى تنذر من كان فطرته الانسانيّة الّتى شأنها خشية الرّبّ باقية فيهم حالكونهم بالغيب من الرّبّ أو حالكون الرّبّ بالغيب منهم (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) الفطريّة الّتى هي الحبل من الله الّذى هو الولاية التّكوينيّة يعنى انّ الإنذار من جهات الكفر لا ينفع الّا من كان هذه حاله لا غيره (وَمَنْ تَزَكَّى) في مقام وآتوا الزّكاة لكنّه عدل الى هذا لافادة هذا المعنى مع شيء زائد (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) فيجازيهم على اقامة الصّلوة وإيتاء الزّكاة (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) في تميز الأشياء وفي تميز الحسن والقبيح والضّارّ والنّافع حتّى يتساوى الّذين لا يخشون ربّهم مع الّذين يخشون في الإنذار (وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) حتّى يستوي الّذين يستنير قلوبهم بنور العلم فيخشون ربّهم بذلك مع غيرهم (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) قيل : المعنى ولا الجنّة ولا النّار ، وقيل : ولا اللّيل ولا النّهار ، أو المعنى ولا البرد ولا السّموم ، فانّ الحرور اسم للسّموم وكلّ ذينك المتقابلين كناية عن المؤمن وايمانه والكافر وكفره ، أو هو ممثّل به والمؤمن وايمانه والكافر وكفره هو الممثّل له (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) اى الأحياء بالحيوة الايمانيّة الفطريّة أو الايمانيّة التّكليفيّة اللّتين يعبّر عنهما بالحبلين وبالولاية التّكوينيّة والتّكليفيّة (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) الّتى هي قبور أجسادهم الميّتة وهؤلاء حالهم حال من كان ميّتا واقعا في قبره ، أو ما أنت بمسمع من كان منغمرا في قبور نفوسهم الحيوانيّة وأبدانهم الطّبيعيّة (إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) سمعوا أو لم يسمعوا (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) اى بالولاية فانّها الحقّ المطلق وكلّ ما سواه حقّ بحقّيّته (بَشِيراً وَنَذِيراً) للمؤمن والكافر (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) يعنى ما اهملنا أمّة من الأمم بل بعثنا في كلّ أمّة نذيرا من نبىّ أو وصىّ نبىّ ، في حديث عن الباقر (ع) : لم يمت محمّد (ص) الّا وله بعيث نذير قال : فان قيل : لا ، فقد ضيّع رسول الله (ص) من في أصلاب الرّجال من أمّته ، قيل : وما يكفيهم القرآن؟ ـ قال : بلى ، ان وجدوا له مفسّرا ، قيل : وما فسّره رسول الله؟ ـ قال : بلى ، قد فسّره لرجل واحد وفسّر للامّة شأن ذلك الرّجل وهو علىّ بن ابى طالب (ع). اعلم ، انّه تعالى جعل غاية خلق العالم بنى آدم ، وجعل غاية خلق بنى آدم ولاية علىّ بن أبى طالب (ع) سواء كانت ظاهرة في هيكل النّبوّة أو الرّسالة أو الخلافة وليس المراد بالنّذير الّا الرّسول أو النّبىّ أو خليفتهما ، فلو لم يكن في العالم حينا نذير بطل الخلقة ولم يكن لها غاية ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، فلم يكن عالم الّا وكان فيه آدم ، ولم يكن آدم الّا وكان له نذير وهكذا لم يبق العالم بلا آدم ولا نذير (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) فلا تحزن فانّ هذه سنّة قديمة (فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) قد مضى في آخر آل عمران هذه الكلمات (ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا) برسلهم وكذّبوهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) بالعقوبة لهم تهديد للمكذّبين (أَلَمْ تَرَ) الخطاب خاصّ بمحمّد (ص) ولا إشكال فانّه يرى انّ الله انزل من السّماء ماء ، أو عامّ فالمعنى انّه ينبغي ان يرى كلّ راء ذلك لانّه لو لم يكن بصره محجوبا كان يرى ذلك فهو ملوم على ان لا يرى (أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ) لمّا كان إنزال الماء من السّماء بتوسّط الأسباب الطّبيعيّة الظّاهرة على الأبصار والعقول أتى بالله بلفظ الغيبة كأنّه تعالى عند ذلك غائب عن الأبصار والظّاهر عليها هو الأسباب بخلاف إخراج الثّمرات فانّ الأسباب الطّبيعيّة فيه خفيّة عن الأبصار فكأنّ النّاظر اليه لا يرى توسّط الأسباب ويرى المسبّب عنده