في قوله للزّكوة فاعلون زائدة للتّقوية أو هي للتّعليل ، والزّكاة هاهنا بمعنى النّماء أو الطّهارة أو الصّلاح أو التّنعّم أو فضول المال الّذى تخرجه لتطهّر باقيه ولم يقل للزّكوة مؤتون ليذهب ذهن السّامع الى كلّ المعاني والمحتملات (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) جمع الفرج بمعنى العورة وهي كلّ سوأة من المرء والمرأة ينبغي حفظها عن النّظر إليها والمراد حفظها عن الوطي أو عن النّظر إليها (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) لمّا جعل متعلّق الحفظ مثل الإطلاق والاسترسال استثنى المجرور بعلى نحو الاستثناء المفرّغ يعنى الّذين هم حافظون فروجهم عن الإطلاق وعدم الإمساك الّا على أزواجهم يعنى لا يحفظونها عن الإطلاق على أزواجهم ، وقيل : انّ لفظة على هاهنا مثل على في قوله : احفظ علىّ عنان فرسي فانّ الحبس على الأزواج يفيد هذا المقصود (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) من الإماء لا العبيد وجاء بما للاشعار بانّهنّ من تلك الحيثيّة كسائر الحيوان في معاملتهنّ معاملة غير ذوي العقول ، والآية مجملة فانّها مطلقة عن بيان الحالات الّتى تحرم الأزواج والإماء في تلك الحالات (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) نفى اللّوم عنهم مع انّ المضاجعة ان كانت بأمر الله ومن الجهة الّتى ارتضاها الله كان صاحبها مأجورا لانّ أكثر النّاس لم تكن مضاجعتهم الّا محض تشهّى النّفس كسائر أفعالهم فلم يكن لهم أجر فيها (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) المذكور من الاسترسال على الأزواج والمماليك (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) اى الظّالمون أو المتجاوزون عن حدود الله (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) الأمانات كما في سورة النّساء وسيأتى في سورة الأحزاب عبارة عن كلّ ما استودع عند إنسان ليكون محفوظا سالما ناميا لصاحبه ، وإذا طالبه صاحبه سلّمه له ، وتصدق على الأمانات الصّوريّة الّتى يستودعها بعض النّاس عند بعض وعلى الأمانات الّتى استودعها الله عند عباده وإمائه تكوينا من الامانة الاصليّة الّتى هي اللّطيفة السّيّارة الانسانيّة الّتى عرضها الله على السّماوات والأرض والجبال فأبين من حملها وحملها الإنسان ومن سائر ما أنعم الله به على عباده من الأعضاء والجوارح والقوى والمدارك والعلوم والمناسك التّكوينيّة ، ومن الأمانات الّتى استودعها الله عند عباده بتوسّط خلفائه ومظاهره من الأحكام القالبيّة النّبويّة ، والقلبيّة الولويّة ، والاذكار الجليّة والخفيّة ، وودائع الوصاية الّتى استودعها كلّ امام لإمام آخر والمراد بالعهد كما سبق مكرّرا هو البيعة العامّة والخاصّة فانّ العهد المنظور اليه والمسؤل عنه هو الميثاق الّذى يحصل بين الإنسان وبين الله بتوسّط مظاهره بالبيعة على أيديهم وسائر العهود والعقود مثل النّذور والعهود وسائر العقود الواقعة بين العباد مقصوده تبعا ، ومراعاة الامانة بان لا يقصّر في حفظها وانمائها ان كانت صاحبة نماء وبتحمّل ما تحتاج اليه من المأكول والمشروب أو المخزن وإغلاق الباب والنّقل من مكان الى مكان ان كانت ممّا تحتاج الى ذلك ، ومراعاة العهد بان لا يتركه ولا يترك شروطه ولا ينقضه (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ) قرئ مفردا وجمعا (يُحافِظُونَ) ولمّا كان المفرد المضاف الغير المراد به فردا معيّنا أو فردا ما مفيدا للعموم لم يكن بين الجمع والمفرد فرق ، والمحافظة المواظبة على الشّيء بالذبّ عنه والحفظ له عن الضّياع والمحافظة على الصّلوات القالبيّة والصّدريّة والقلبيّة بالذّبّ عنها ودفع الشّياطين الجنّيّة والانسيّة عن المداخلة فيها وحفظ أوقاتها وحفظ حدود كلّ منها والدّوام عليها على كلّ بحسبه بان لا يترك الصّلوة القالبيّة في أوقاتها ولا يغفل عن الصّلوات الصّدريّة والقلبيّة الذّكريّة والفكريّة ، وكرّر ذكر الصّلوة بذكرها اوّلا بوصف الخشوع فيها الّذى هو من أحكامها الباطنة ، وأخيرا بوصف الحفظ عليها الّذى هو اعمّ من حفظ صورتها وأحكامها الظّاهرة وحفظ معنيها وأحكامها الباطنة للاهتمام بشأنها ، وللاشارة الى انّها ينبغي ان تكون مفتتح الكلّ ومختتمها ، والإتيان بالمضارع هاهنا للاشارة الى انّ مخلّات الصّلوة الباطنة والظّاهرة متجدّدة الحدوث استمرارا والمحافظة عليها من إخلال مخلّاتها ينبغي