وما كان ذا مال ولم يقرأ ولم يكتب ، أو بحال شبيهة بحالك في الرّسالة وعدم موافقة حالك لها مثل قولهم لو لا انزل عليه القرآن جملة واحدة فانّه في معنى قولهم : حاله في الرّسالة شبيهة بحال الرّسل الماضية فلو كان رسولا مثلهم لاتى بكتابه جملة واحدة مثل إتيانهم بكتبهم وإذ لم يأت به دفعة مثلهم فليس برسول (إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِ) بالجواب الحقّ الثّابت الدّافع لابطال أمثلتهم المبطل لها المبقى لرسالتك من غير معارض ومبطل (وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) اى بيانا من بيانهم لابطال رسالتك (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ) بدل أو صفة من الّذين كفروا وإظهار لذمّ آخر وفضيحة اخرى أو مبتدء خبره الجملة الآتية أو خبر لمحذوف اى هم الّذين يحشرون (عَلى وُجُوهِهِمْ) يعنى ماشين على وجوههم كما يمشى المستقيم القامة على قدميه أو مقبلين على وجوههم (إِلى جَهَنَّمَ).
اعلم ، انّ الإنسان كما خلق ببدنه مستقيم القامة رأسه في أعلى بدنه ورجلاه على الأرض يمشى الى حاجاته البدنيّة برجليه خلقه بروحه كذلك رأسه المعنوىّ في أعلى وجوده ورجلاه المعنويّتان في أسفل وما بقي على فطرته الانسانيّة كان حاله الباطنيّة على هذا المنوال ، وإذا ارتدّ عن فطرته صار رأسه ووجهه الباطنيّان منكوسين من أعلى وجوده الى اواسطه ويتدرّج في الانحطاط والتّوجّه الى ان وصل رأسه الى مقام رجله وانقلب رجله الى مقام رأسه ، ولمّا كان صورته الاخرويّة وبدنه الملكوتىّ تابعة لنفسه بحيث لا يكون نفسه بحال الّا ويصير بدنه بتلك الحال كان بدنه الاخروىّ منكوسا بحيث يكون مشيه على وجهه ورجلاه من أعلاه ، روى انّ رجلا قال : يا نبىّ الله (ص) كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ ـ قال : انّ الّذى أمشاه على رجليه قادر على ان يمشيه على وجهه يوم القيامة ، وهذا معنى التّناسخ الملكوتىّ وقد يتقوّى ذلك بحيث يسرى اثره الى بدنه الملكىّ فيصير ممسوخا (أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً) قال كفّار مكّة لمحمّد (ص) وأصحابه : هم شرّ خلق الله فنزل الآية يعنى ان زعموا انّ محمّدا (ص) وأصحابه شرّ خلق الله فهم حين يسحبون الى النّار كانوا شرّا منهم أو في هذه الدّنيا كانوا شرّا منهم واضلّ سبيلا منهم (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) لمّا ذكر حال محمّد (ص) في رسالته وحال الكفّار في الإنكار ذكر الرّسل الماضية وانكار المنكرين وتدميرهم ليكون تسلية وتقوية للرّسول (ص) والمؤمنين وتهديدا للمنكرين (وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) لمّا كان المقصود تسلية الرّسول (ص) والمؤمنين وتهديد المنكرين والمعاندين من ذكر رسالة موسى (ع) وهارون اقتصر على ذكر إرسالهما وانكار قومهما وتدميرهم من تفصيل كيفيّة إرسالهما وتدميرهم وكان حقّ العبارة ان يقول ثمّ دمّرناهم لكن أتى بالفاء لإيهام انّ التّدمير كان عقيب الرّسالة بلا مهلة ليكون أبلغ في التّقوية والتّهديد والتّقدير فذهبا وبلّغا رسالتهما وداريا القوم مدّة مديدة وبالغ القوم في الإنكار حتّى انتهوا في إنكارهم الى ابطال فطرتهم فدمّرناهم (وَقَوْمَ نُوحٍ) عطف على مفعول دمّرناهم وقوله تعالى (لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ) استيناف كلام جواب لسؤال مقدّر أو مفعول لا ذكر محذوفا ومعطوف على قوله لقد آتينا موسى الكتاب فانّه في معنى ذكر موسى (ع) وقومه وما بعده مستأنف أو مفعول لمحذوف يفسّره ما بعده وليس من باب شريطة التّفسير لعدم جواز تسلّط ما بعد لمّا على ما قبلها ، ونسب تكذيب جميع الرّسل (ع) إليهم امّا لأنّهم كانوا أنكروا الرّسالة أو لانّهم أنكروا نوحا (ع) ومن سبق عليه أو لانّ انكار واحد من الرّسل مستلزم لانكار جميع الرّسل (ع) (أَغْرَقْناهُمْ) جميعا (وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً) دالّة على قدرتنا وسخطنا على من خالف رسلنا بحيث لا يخفى على أحد (وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ) يعنى لهم لكنّه وضع الظّاهر موضع المضمر للتّصريح