أو جمع الاحدوثة بمعنى الأمر الغريب يعنى جعلناهم بحسب حالهم ومآلهم من غرائب الدّهر بحيث يتحدّث النّاس بهم وبحالهم (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) فرّقناهم كلّ تفريق حتّى لحق كلّ ببلد ، قيل : لحقّ غسّان منهم بالشّام ، وأنمار بيثرب ، وجزام بتهامة والأزد بعمّان (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دالّة على قدرتنا على الخسف وإسقاط الكسف وعلى علمنا وحكمتنا وتدبيرنا لأمور عبادنا ، وجزاء كلّ منهم بحسب حاله ، وعلى انّا نجزى الشّكور بالمزيد والكفور بسلب النّعمة (لِكُلِّ صَبَّارٍ) عن المعاصي وعلى الطّاعات وعلى المصائب فانّ غير الصبّار لكونه أسيرا للشّهوات والغضبات وموردا للبلايا لا يكون له فراغ حتّى يتأمّل في ذلك ويستدلّ بها على شيء آخر (شَكُورٍ) ناظر في النّعمة الى الانعام والى المنعم وامّا الغافل عن المنعم والانعام فلا يدرك من النّعمة وزوالها وتغيّرها تصرّف المنعم فيها حتّى يستدلّ من النّعمة وتبدّلاتها على صفات المنعم وعلمه وحكمته وقدرته.
اعلم ، انّ الآيات القرآنيّة كالآيات العظمى الآفاقيّة من الأنبياء والأولياء (ع) لها ظواهر وبواطن الى سبعة ابطن الى سبعين الى سبعين الف بطن الى ما شاء الله ، ولها تنزيل وتأويل ولتأويلها تأويل الى سبعة الى ما شاء الله ، وتنزيل هذه الآية قد ذكر ، وقد ورد عن الصّادق (ع) في تنزيلها انّه قال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم الى بعض وأنهار جارية واموال ظاهرة فكفروا نعم الله عزوجل وغيّروا ما بأنفسهم من عافية الله ، فغيّر الله ما بهم من نعمة و (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ، فأرسل الله عليهم سيل العرم ففرّق قراهم وخرّب ديارهم وذهب بأموالهم وأبدلهم مكان جنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل وتأويلها بحسب الصّغير والكبير كثير ، فانّ النّفس الحيوانيّة بعد تجلّى العقل عليها بالنّفس الانسانيّة يجعل الله بينها وبين القرى المباركة الّتى هي العقول والأرواح قرى ظاهرة من مراتب النّفس الانسانيّة ومراتب القلب فتسأل بلسان حالها بالتّولّى عن تلك القرى والتّوغّل في المشتهيات الحيوانيّة بعد السّفر بينها وبين القرى ، أو تستبعد بتوغّلها في تلك المشتهيات السّفر الى تلك القرى فتثبّط الى الأرض الحيوانيّة وتتوحّش من السّفر إليها ، وأيضا افراد الإنسان بعد البلوغ واستكمال النّفس الحيوانيّة بالنّفس الانسانيّة يجعل الله بينهم وبين القرى المباركة الّذين هم مشايخ الائمّة (ع) قرى ظاهرة هي شيعتهم ورواة أحاديثهم ونقلة أخبارهم فيتولّون عنهم ويسألون بلسان حالهم بعد الاسفار والمشقّة والاخطار ، أو يجعل الله بينهم وبين القرى المباركة الّذين هم الائمّة (ع) قرى ظاهرة هم مشايخ الائمّة (ع) الّذين نصبهم الائمّة (ع) لهداية الخلق وأخذ العهد منهم بالبيعة على أيديهم والتّوبة عندهم وعلى أيديهم أو افراد الإنسان بعد الإسلام والبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة يجعل الله بينهم وبين القرى المباركة الّذين هم مشايخ الائمّة (ع) أو هم الائمّة (ع) قرى ظاهرة ، أو افراد الإنسان بعد الايمان والبيعة الخاصّة الولويّة وقوبل الدّعوة الباطنة يجعل الله بينهم وبين القرى المباركة الّذين هم الائمّة (ع) مشايخ وناقلين لاخبارهم ، أو يجعل الله بينهم وبين القرى المباركة الّذين هم الائمّة بنورانيّتهم وظهور ملكوتهم على نفوس بايعيهم قرى ظاهرة من مراتب ذكرهم وفكرهم ، أو من مراتب نفوسهم الى مراتب قلوبهم الّتى فيها يظهر ائمّتهم بنورانيّتهم ، أو افراد الإنسان بعد ما يظهر عليهم ائمّتهم بنورانيّتهم يجعل الله لهم قرى ظاهرة هي مراتب نورانيّة ائمّتهم بينهم وبين مقام ولاية ائمّتهم فيمزّق كلّ هؤلاء ، كما يشاهد من النّاس غير المؤمنين بالبيعة الخاصّة الثّابتين على ايمانهم المسافرين على القرى الظّاهرة من تفرّقهم كلّ التّفرّق بحسب المقصد والمذهب والارادة والمشتهى بحيث يلعن بعضهم بعضا ويبغض ويكفّر بعضهم بعضا قلّما يتّفق منهم اثنان ، وان اتّفق اتّفاقهم بالنّسبة الى بعض المؤمنين كان اتّفاقهم كاتّفاق الكلاب الواقعة على الجيف من حيث انّها يبغض كلّ للآخر ويعقر كلّ للآخر ، وإذا رأت إنسانا من بعيد مع انّه متأذّ من جيفتها تتّفق في الحمل عليه ونهشه وقتله ، أعاذنا الله من غضبه وكفران نعمه.