جلّ وعزّ ، ولا يبعد ان يكون مراده الذّهاب الى ربّه البشرىّ في الدّين والايمان أو الذّهاب الى مقام الحضور عند ربّه الملكوتىّ الّذى يعبّر عنه بالفكر والسّكينة والحضور (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) بعضا من الصّالحين يكون أنيسا لي في وحدتى ، ومعينا لي عبادتي ودعوتي ، وكان منظوره (ع) طلب الولد (فَبَشَّرْناهُ) يعنى اجبناه الى مسئوله بعد يأسه ويأس زوجته من الولد (بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) يعنى لمّا أعطيناه وبلغ السّعى معه في اعماله يعنى بلغ المراهقة أو مبلغ الرّجال رأى في المنام انّ الله يأمره بذبحه و (قالَ) لولده (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ) لمّا صارت رؤياه مكرّرة قال أرى (أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) قرئ بفتح التّاء والرّاء وبضمّ التّاء وكسر الرّاء (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ) الإتيان بالتّصغير ولحوق التّاء بالأب لإظهار الشّفقة (ما تُؤْمَرُ) لم يقل ما رأيت أو ما ترى إظهارا لما اعتقده من انّ الرّؤيا لم تكن الّا من الله ولم تكن الّا امرا له بما رأى (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَما) استسلاما لأمر الله أو أسلم اسمعيل (ع) نفسه وإبراهيم (ع) ابنه وقرأ علىّ (ع) والصّادق (ع) فلمّا سلّما من التّسليم (وَتَلَّهُ) صرعة (لِلْجَبِينِ) اى على الجبين (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) بالعزم والإتيان بالمأمور وجواب لمّا محذوف اى وقع ما وقع من الاستبشار ورفع الدّرجات له وصدور المكالمات عنه وحدوث الحزن له بمنعه من تلك الرّياضة العظمى والفيض العظيم وجواب الله تعالى عن ذلك كما ورد في الاخبار (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) يعنى انّ هذا الامتحان بالأمر بذبح الولد هو الامتحان العظيم ، أو هذه المصيبة الّتى هي ذبح الولد ، أو هذا الصّبر والتّوفيق لامتثال مثل هذا الأمر العظيم لهو النّعمة العظيمة من الله (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) اى عظيم الجثّة أو عظيم القدر ، قد اختلف الاخبار في انّ الذّبيح كان اسمعيل (ع) أو إسحاق (ع) والمشهور من الاخبار انّه كان اسمعيل (ع) وانّه كان جدّ نبيّنا محمّد (ص) وانّ السّلطنة كانت في أولاد اسمعيل (ع) والنّبوّة في أولاد إسحاق ، وانّ البشارة لإبراهيم (ع) كانت اوّلا بإسماعيل (ع) من هاجر ، وثانيا بإسحاق (ع) من سارة ، وانّ هاجر كانت جارية لسارة فوهبتها لإبراهيم (ع) ، وانّ هاجر لمّا حملت بإسماعيل وولدته اغتبطت سارة عليها لانّها لم يكن لها ولد حينئذ فكانت توذي إبراهيم (ع) فاشتكى الى الله فقال الله تعالى : انّ المرأة مثل عظم الضّلع لو ذهبت تقيمها كسرتها ولو ابقيتها استمتعت بها ، نحّ هاجر واسمعيل من عندها ، فذهب بها وبولدها بأمر الله ودلالة جبرئيل (ع) الى مكّة ولم يكن بها ماء ولا عمارة ولا أحد ، وانّ بين بشارة إبراهيم (ع) بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق كانت خمس سنين ، وروى عن الصّادق (ع) انّه سئل : كم كان بين بشارة إبراهيم (ع) بإسماعيل وبين بشارته بإسحاق؟ ـ قال : كان بين البشارتين خمس سنين ، قال الله سبحانه (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) يعنى اسمعيل وهي اوّل بشارة بشّر الله بها إبراهيم (ع) في الولد ، ولمّا ولد لإبراهيم (ع) إسحاق (ع) من سارة وبلغ إسحاق ثلاث سنين اقبل اسمعيل (ع) الى إسحاق (ع) وهو في حجر إبراهيم (ع) فنحّاه وجلس في مجلسه فبصرت به سارة فقالت : يا إبراهيم (ع) ينحّى ابن هاجر إبني من حجرك ويجلس هو مكانه لا والله لا تجاورنى هاجر وابنها في بلاد أبدا فنحّهما عنّى ، وكان إبراهيم (ع) مكرما لسارة يعزّها ويعرف حقّها وذلك لانّها كانت من ولد الأنبياء (ع) وبنت خالته فشقّ ذلك على إبراهيم (ع) واغتمّ لفراق اسمعيل (ع) ، فلمّا كان في اللّيل أتى إبراهيم (ع) آت من ربّه فأراه الرّؤيا في ذبح ابنه اسمعيل (ع) بموسم مكّة فأصبح إبراهيم (ع) حزينا للرّؤيا الّتى رآها فلمّا حضر موسم ذلك العام حمل إبراهيم (ع) هاجر واسمعيل (ع) في ذي الحجّة من ارض الشّام فانطلق بهما الى مكّة ليذبحه في الموسم ، فبدأ بقواعد البيت الحرام فلمّا رفع قواعده خرج الى منى حاجّا وقضى نسكه بمعنى ثمّ رجع الى مكّة فطاف البيت أسبوعا ثمّ انطلقا فلمّا صارا في السّعى قال : إبراهيم (ع) لإسماعيل (ع) : يا بنىّ انّى