والمنذرين تتميما للتّهديد وتسلية للرّسول (ص) يعنى نادينا بالدّعاء على قومه بعد ما تمادوا في التّكذيب والإنكار والإيذاء بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) يعنى فأجبناه فو الله لنعم المجيبون نحن (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) اى أذى قومه ومن الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) في المجمع عن ابن عبّاس وقتادة ، فالنّاس كلّهم بعد نوح (ع) من ولد نوح فالعرب والعجم من أولاد سام بن نوح والتّرك والصّقالبة والخزر ويأجوج ومأجوج من أولاد يافث بن نوح ، والسّودان من أولاد حام بن نوح قال الكلبىّ : لمّا خرج نوح (ع) من السّفينة مات من كان معه من الرّجال والنّساء الّا ولده ونساءهم الى هاهنا كلام المجمع ، لكن عن الباقر (ع) في هذه الآية يقول : الحقّ والنّبوّة والكتاب والايمان في عقبه وليس كلّ من في الأرض من بنى آدم من ولد نوح (ع) قال الله عزوجل في كتابه احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك الّا من سبق عليه القول منهم ومن آمن وما آمن معه الّا قليل وقال أيضا ذرّيّة من حملنا مع نوح ، فالقول معنى الآية على هذا جعلنا ذرّيّته هم الباقين بالكتاب والنّبوّة وان كان غيرهم أيضا باقين بالحيوة الحيوانيّة (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) الّذين أتوا بعده جاريا على ألسنتهم (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) سلام على نوح مفعول تركنا أو هو مستأنف من الله ومفعول تركنا محذوف اى تركنا عليه في الآخرين المدح والثّناء له وفي العالمين متعلّق بقوله على نوح على ان يكون خبرا لسلام أو بسلام أو هو ظرف مستقرّ خبر لسلام أو متعلّق بقوله تركنا عليه أو بدل من قوله في الآخرين والمعنى تركنا عليه في جميع العوالم ذلك وهذا معنى قول الأنبياء (ع) اجعل لي لسان صدق في الآخرين ويستفاد من بعض الاخبار انّ الله يقول تركت على نوح دولة الجبّارين يعنى تركت بعده على ضرره باعتبار وصيّته ووصيّه دولة الجبّارين الّذين تجبّروا على أوصيائه ويعزّى الله محمّدا (ص) بذلك وعلى هذا يكون قوله سلام على نوح مستأنفا من الله ، فانّه ورد عن الصّادق (ع) في حديث ؛ وبشّرهم نوح بهود (ع) وأمرهم باتّباعه وان يقيموا الوصيّة كلّ عام فينظروا فيها ويكون عيدا لهم كما أمرهم آدم (ع) فظهرت الجبريّة من ولد حام ويافث فاستخفى ولد سام بما عندهم من العلم وجرت على سام بعد نوح (ع) الدّولة لحام ويافث وهو قول الله عزوجل وتركنا عليه في الآخرين ، يقول تركت على نوح دولة الجبّاريّن ويعزّى الله محمّدا (ص) بذلك ، قال في هذا الخبر وولد لحام السّند والهند والحبش ، وولد لسام العرب والعجم وجرت عليهم الدّولة وكانوا يتوارثون الوصيّة عالم بعد عالم حتّى بعث الله عزوجل هودا (ع) (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) بترك لسان الصّدق لهم في الآخرين وبقاء العلم والكتاب والنّبوّة في عقبهم وبإعطاء البركة في عقبهم (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) يعنى من العباد المشرّف بتشريف الاضافة إلينا (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) عطف على نجّيناه (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) اى ممّن شايع نوحا في الرّسالة واجراء احكام الله على العباد وتحمّل أذى القوم والصّبر على الابتلاء بهم (لَإِبْراهِيمَ) هذا ظاهر الآية الشّريفة ويكون الشّيعة من المشايعة والاتّباع كما فسّرنا لفظها به ، وعن الباقر (ع) يهنئكم الاسم ، قيل وما هو؟ قال الشّيعة ، قيل : انّ النّاس يعيّروننا بذلك ، قال : اما تسمع قول الله تعالى وانّ من شيعته لإبراهيم وقوله : فاستغاثه الّذى من شيعته على الّذى من عدوّه لكن قد ورد من طريق الخاصّة اخبار كثيرة انّ المقصود انّ من شيعة علىّ (ع) إبراهيم (ع) وهذا ممّا يخصّ بفهمه من خوطب بالكتاب وسرّ ذلك ، كما ورد عن الصّادق (ع) انّ الله لمّا خلق إبراهيم (ع) كشف له عن بصره فرأى الأنوار الخمسة فقال : ما هذه الأنوار؟ فقال الله تعالى : هذه نور محمّد (ص) وعلىّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) ورأى تسعة أنوار قد حفّوا بهم فقال : ارى تسعة أنوار قد حفّوا بهم فقال : هؤلاء الائمّة (ع) من ولد علىّ (ع) وفاطمة (ع) وسمّاهم