أنتم مشرفون على أهل النّار يعنى أشرفوا أو قال قائل قول انّى كان لي قرين لندمائه بطريق السّؤال هل أنتم مطّلعون على حاله حتّى تخبرونى بحاله (فَاطَّلَعَ) القائل (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) اى وسطها (قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) انّه كدت لتردينى (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) اى ولاية ولىّ أمري فانّها النّعمة حقيقة أو انعام ربّى بالولاية (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) في العذاب معك (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) يستهزئ بالقرين بردّ قوله عليه وانكار ما كان يقوله في الحيوة الدّنيا (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) من الحيوة الدّنيا يعنى رأيت موتات بعد موتتك الاولى الّتى كانت تقول ليس موتة الا موتتنا الاولى وقد مضى في اوّل البقرة عند قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) فأحياكم تفصيل للموتات والاحيائات (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هذا) المقام الّذى للمؤمن القائل أو هذا النّعيم أو هذا الحجاج (١) والالتذاذ بالغلبة (لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) وهذا الكلام من المؤمن القائل أو من الله (أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً) اشارة الى المشار اليه الاوّل والإتيان باسم الاشارة البعيدة لتفخيمه (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) الزّقّوم كتنوّر شجرة بجهنّم ونبات بالبادية له زهر يا سمينىّ الشّكل وطعام أهل النّار وشجرة باريحاء ولها ثمر كالتّمر حلو عفص ولنواه دهن عظيم المنافع في علاج الأمراض البلغميّة والرّياح الباردة ويقال أصله الا هليلج الكابلي نقلته بنو أميّة وزرعته باريحاء ولمّا تمادى غيّرته ارض أريحا عن طبع الإهليلج ، والزّقم ، اللّقم ، والتّزقّم ، التّلقّم كذا في القاموس (إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) روى انّ قريشا لمّا سمعت هذه الآية قالت : ما نعرف هذه الشّجرة قال ابن الزّبعرى : الزّقوم بكلام البربر التّمر والزّبد وفي رواية بلغة اليمن ، فقال ابو جهل لجاريته يا جارية زقّمينا ، فاتته الجارية بتمر وزبد فقال لأصحابه : تزقّموا بهذا الّذى يخوّفكم به محمّد (ص) فيزعم انّ النّار تنبت الشّجر والنّار تحرق الشّجر فأنزل الله سبحانه هذه الآية انّا جعلناها فتنة للظّالمين (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) في تناهي القبح فانّه كما يشبّه المتناهى في الحسن من الإنسان بالملك والحور يشبّه المتناهى في القبح بالشّياطين والعفاريت (فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها) لغاية جوعهم وشدّة احتياجهم الى الاكل (فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً) مايعا هو الغسّاق أو الصّديد خليطا (مِنْ حَمِيمٍ) ماء حميم يقطّع امعائهم (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) لتتميم العذاب وتغليظه فانّ الزّقّوم وهذا الشّراب هو نزلهم الّذى يعدّ لهم في اوّل ورودهم (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) في موضع التّعليل يعنى انّهم وجدوا آباءهم على غير الطّريق الّذى يوصل الى الجنان ومعذلك اتّبعوهم فاستحقّوا بذلك هذا العذاب (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) يسرعون مع علمهم بانّهم ضالّون ، والإتيان بالاهراع المبنىّ للمفعول الّذى هو بمعنى كونهم محمولين على الاسراع والاضطراب للاشارة الى انّهم ما تثبّتوا في ذلك التّقليد كأنّ نفوسهم أخذت الاختيار منهم وحملتهم على التّقليد من غير ملاحظة حجّة وبرهان وهو ذمّ آخر لهم (وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) المكذّبين وهذا بايّاك اعنى واسمعي يا جارة يعنى انّ قومك ينبغي ان ينظروا الى مكذّبى الأنبياء السّلف حتّى يعتبروا بحالهم ويخافوا من عاقبة تكذيبك (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) استثناء منقطع أو متّصل باعتبار المعنى كأنّه قال : كان عاقبة النّاس أسوء عاقبة الّا عباد الله المخلصين اى المصدّقين للأنبياء (ع) (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) شروع في بيان حال المنذرين
__________________
(١) ـ الحجاج كقتال مصدر بمعنى المحاجة.