يعتذروا عنها ويجيبوا مثل قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) أو المعنى لا يسأل المجرمون الماضون عن ذنوب هؤلاء الحاضرين كما قيل ، ولمّا كان الاعراض الدّنيويّة لأرباب النّفوس واهويتها مورثة للاستكبار والاعجاب بالنّفس وتحقير العباد صار قارون المبتلا باهوية النّفس معجبا بنفسه متكبّرا على غيره (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) قيل : انّه خرج على بغلة شهباء عليه الأرجوان وعليها سرج من ذهب ومعه اربعة آلاف على زيّه (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ) كما هو عادة أهل الدّنيا في كلّ زمان (إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) كان ما هو فيه في نظرهم من أعظم النّعم لغفلتهم عن انّه مستعقب للزّوال والعقاب وحرمان ما اعدّه الله لعباده في الآخرة (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) بالدّنيا واعراضها وآفاتها والآخرة وعقابها وثوابها ودرجاتها (وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ) في الدّنيا بحصول الالتذاذ بمناجاته والفراغ من الاشتغال بمتاعب الدّنيا وحرصها وآمالها وفي الآخرة بما اعدّه لعباده (خَيْرٌ) ممّا ترونه على قارون من زينة الدّنيا فانّه معرض للزّوال وصاحبه محلّ للآفات والبلايا والمكاره والغموم (لِمَنْ آمَنَ) بالتّوبة والبيعة على أيدي خلفائه (ع) ايمانا عامّا أو ايمانا خاصّا بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها) اى هذه الموعظة أو هذه الكلمة (إِلَّا الصَّابِرُونَ) عن الدّنيا وآمالها فانّ المبتلى بالدّنيا وآمالها يكون اصمّ من النّصائح والمواعظ الاخرويّة (فَخَسَفْنا) بشوم عمله وسوء إعجابه بنفسه (بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ) روى انّ موسى (ع) بأهله بأخيه هارون (ع) وبنيه فخسف به وبأهله وماله ومن وازره من قومه ، وقيل : دعا قارون امرأة من بنى إسرائيل بغيّا فقال لها : انّى أعطيك ألفين على ان تجيء غدا إذا اجتمعت بنو إسرائيل عندي فتقول : قد راودنى موسى (ع) فأعطاها خريطتين عليهما خاتمه فلمّا جاءت بيتها ندمت وقالت : ما بقي لي الّا ان افترى على نبىّ الله (ع)؟! فلمّا أصبحت أقبلت ومعها الخريطتان حتّى قامت بين بنى إسرائيل وقالت : ما قالها قارون وقالت : معاذ الله ان افترى على نبىّ الله (ع) وهذه دراهمه عليه خاتمه ، فغضب موسى (ع) فدعا الله عليه فخسف به وبداره الأرض ، وقيل : كان قارون ممّن يحبّه موسى (ع) ، وكان يقرء التّوراة مع القوم في التّيه ، وكان أحسن صوتا منهم ، فلمّا طال التّيه على القوم ودخلوا في التّوبة والبكاء امتنع قارون من الدّخول معهم في التّوبة فدخل عليه موسى (ع) فقال له : يا قارون قومك في التّوبة وأنت قاعد هاهنا؟! ادخل معهم والّا ينزل بك العذاب فاستهان به فخرج موسى (ع) من عنده مغتمّا ، فجلس في فناء قصره فأمر قارون ان يصبّ عليه رماد قد خلط بالماء فصبّ عليه فغضب موسى (ع) غضبا شديدا وكان في كتفه شعرات كان إذا غضب خرجت من ثيابه وقطر منها الدّم فقال موسى (ع) : يا ربّ ان لم تغضب لي فلست لك بنبىّ فأوحى الله عزوجل اليه : قد أمرت الأرض ان تطيعك فمرها بما شئت ، وقد كان قارون قد امر ان يغلق باب القصر فأقبل موسى (ع) فأومى الى الأبواب فانفرجت ودخل عليه فلمّا نظر اليه قارون علم انّه قد اوتى بالعذاب فقال : يا موسى اسألك بالرّحم الّذى بيني وبينك فقال له موسى (ع) : يا ابن لاوى لا تزدنى من كلامك ، يا ارض خذيه فدخل القصر بما فيه في الأرض ودخل قارون في الأرض الى ركبتيه ، فبكى وحلّفه بالرّحم ، فقال له موسى : يا ابن لاوى لا تزدنى من كلامك ، يا ارض خذيه فابتلعيه بقصره وخزائنه ، وهذا ما قال موسى (ع) لقارون يوم أهلكه عزوجل فعيّره الله عزوجل بما قاله لقارون فعلم موسى (ع) انّ الله تبارك وتعالى قد عيّره بذلك فقال : يا ربّ انّ قارون دعاني بغيرك ولو دعاني بك لأجبته فقال الله عزوجل : يا ابن لاوى لا تزدنى من كلامك ، فقال موسى (ع) : يا ربّ لو علمت انّ ذلك لك رضا لأجبته فقال الله : يا موسى وعزّتى وجلالي وجودى ومجدي وعلوّ مكاني لو انّ قارون كما دعاك دعاني لأجبته ولكنّه لمّا دعاك وكلته إليك ، وعن الباقر (ع) انّ يونس (ع) لمّا آذاه قومه الى ان قال : فألقى نفسه في اليم فالتقمه الحوت فطاف به البحار السّبعة حتّى صار الى