ماضيات للاشارة الى تحقّق وقوعها (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) استيناف جواب لسؤال ناش من سابقه من حيث تعريضه كأنّه قيل : الا ينفعهم ايمانهم بمحمّد (ص) بعد إنكارهم لعلىّ (ع)؟ ـ فقال تعالى : بغيهم على علىّ (ع) ذهب بايمانهم وبما عملوا في ايمانهم لانّ قارون كان من قوم موسى (ع) (فَبَغى عَلَيْهِمْ) ولم ينفعه كونه من قوم موسى (ع) وخسف به الأرض ببغيه (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ) جمع المفتح بالكسر بمعنى المفتاح أو جمع المفتح كمخزن بمعنى الخزانة والكنز (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ) ناء بالحمل نهض به مثقلا وناء به الحمل أثقله والعصبة بالضّمّ من الرّجال والخيل والطّير ما بين العشرة الى الأربعين ، وقيل : ما بين العشرة الى خمسة عشر ، وقيل : أربعون رجلا ، وقيل : ما بين ثلاثة الى العشرة ، وقيل : الجماعة المطلقة عن تعيين العدد (أُولِي الْقُوَّةِ) وهذا أيضا تعريض بالامّة ومترفيها ومن يفرح بما آتاه الله ويتأنّف عن خلفائه (ع) يظنّ انّ النّعمة له باستحقاقه من دون ظنّ الاستدراج بها (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ) متعلّق بقوله بغى عليهم أو بآتيناه (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) بإنفاقها على مستحقّيها وفي سائر مصارف البرّ (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ) الاخروىّ (مِنَ الدُّنْيا) اى ممّا آتاك الله في الدّنيا أو من امتعة الدّنيا من الأموال والقوى والمدارك والصّحّة والفراغ والشّباب وغير ذلك بان تأخذ من جميع ذلك ما ينبغي ان يؤخذ للآخرة أو المعنى لا تنس نصيبك الّذى أنت محتاج اليه في دنياك بان تنفق كلّ ما آتاك الله من الدّنيا فيكون على المعنى الاوّل تأكيدا لقوله : (وَابْتَغِ) (الآية) وعلى الثّانى يكون تأسيسا وامرا بالتّوسّط بين التّبذير والتّقتير (وَأَحْسِنْ) الى العباد أو في أعمالك أو أحسن النّعمة بالشّكر لها وصرفها فيما خلقت لها أو صر حسنا (كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) بتوفير نعمه (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) عن الصّادق (ع) : فساد الظّاهر من فساد الباطن ، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ، ومن خان الله في السّرّ هتك الله ستره في العلانية ، وأعظم الفساد ان يرضى العبد بالغفلة عن الله تعالى ، وهذا الفساد يتولّد من طول الأمل والحرص والكبر كما أخبر الله تعالى في قصّة قارون في قوله : (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) وكانت هذه الخصال من صنع قارون واعتقاده ، وأصلها من حبّ الدّنيا وجمعها ومتابعة النّفس وهواها ، واقامة شهواتها وحبّ المحمدة وموافقة الشّيطان واتّباع خطواته ، وكلّ ذلك مجتمع تحت الغفلة عن الله ونسيان منّته ، والمقصود من نقل هذا الخبر تنبيه نفسي وجميع إخواني ، فانّا قلّما ننفكّ عن الغفلة الّتى هي أصل كلّ فساد ومنبع كلّ شرّ ، وفّقنا الله وجميع المؤمنين لذكره وعدم الغفلة عنه (قالَ) استنكافا عن قبول قولهم وإعجابا بنفسه (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) يعنى أورده الله على علم وكمال عندي فلم لا افرح به وأبذله على من لم يكن له هذا الكمال؟! أو المعنى أوتيته حالكوني مشتملا على عندي خاصّ بى وهو العلم بوجوه المكاسب وتحصيل الأرباح ، أو حالكوني مشتملا على علم خاصّ بى هو علم الكيميا كما قيل ، وقيل : انّ موسى (ع) علّم قارون شيئا من الكيميا وعلم ابنه شيئا وعلّم يوشع (ع) شيئا فخدعهما قارون وتعلّم منهما ما علّمهما موسى (ع) من ذلك (أَوَلَمْ يَعْلَمْ) تعريض بالامّة وبطرهم واعتمادهم على الحيوة الدّنيا ومتاعها يعنى الم يعلم انّ حيوته ووجوده ليس باختياره فكيف باعراضه الدّنيويّة الّتى لا نسبة بينه وبينها الّا محض الاعتبار الّذى اعتبره العرف أو الشّرع ، والم يعلم (أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) للمال والأولاد والقوى والخدم والحشم (وَ) لكن (لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) يعنى انّ الله إذا أراد ان يذنب العبد بسبب سوء استحقاقه أعماه عمّا يبصر قبح ذنبه وسوء عاقبته فأوقعه في الذّنب فلا يسأل عن سبب ذنبه لانّ الله أوقعه عليه بسبب سوء استعداده الّذى لا يعلم هو به ، أو المعنى لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم حتّى