البحر المسجور وبه يعذّب قارون فسمع قارون دوّيا (١) فسأل الملك عن ذلك فأخبره انّه يونس انّ الله حبسه في بطن الحوت فقال له قارون : أتأذن لي ان اكلّمه؟ ـ فأذن له فسأله عن موسى (ع) : فأخبره انّه مات فبكى ثمّ سأله عن هارون (ع) فأخبره انّه قد مات فبكى وجزع جزعا شديدا ، وسأله عن أخته كلثم وكانت مسمّاة له فأخبره انّها ماتت فبكى وجزع جزعا شديدا ، قال فأوحى الله الى الملك الموكّل به ان : ارفع عنه العذاب بقيّة ايّام الدّنيا لرقّته على قرابته (فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) بنفسه فاحذروا يا أمّة محمّد (ص) من البغي على من نصبه الله إماما للعباد واحذروا من الاستكبار والاختيال بما آتاكم الله من الأموال والجاه واحذروا من الاختيال بالزّينة والثّياب الفاخرة ، وفي خبر : ونهى ان يختال الرّجل في مشيته ، ومن لبس ثوبا فاختال فيه خسف الله به من شفير جهنّم وكان قرين قارون لانّه اوّل من اختال فخسف الله به وبداره الأرض (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ) بعد خسفه (وَيْكَأَنَّ اللهَ) وى كلمة تعجّب مثل ويك ويستعمل أيضا بمعنى الويل وتدخل على كان مخفّفة ومشدّدة فههنا يحتمل ان يكون ويكأنّ مركّبة من وى وكأنّ وان يكون مركّبة من ويك وانّ بمعنى التّعجّب وان يكون من وى وكاف الخطاب وانّ ، وان يكون من ويك مخفّف ويلك وانّ ، وإذا كان انّ منفصلا فليقدّر مثل اعلم قبلها حتّى يكون عاملها (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ) وليس بسط الرّزق وتقديره بمشيّة العباد كما قال قارون ولا لهوان أو كرامة من الله (لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بعدم اعطائنا مثل ما اعطى قارون كما كنّا نتمنّاه (لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) مثل قارون (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) جواب لسؤال ناش من السّابق كأنّه قيل : فمن ينجو من العذاب ومن يدخل الجنّات؟ ـ فقال : تلك الدّار الآخرة (نَجْعَلُها) مقرّا (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ) لانّ المستعلى في الأرض منازع لي ، والمنازع لي لا يدخل داري (وَلا فَساداً) لانّ المفسد موذ لعبادي وخلقي (وَالْعاقِبَةُ) الحسنى (لِلْمُتَّقِينَ) من ذلك أو لمن كان شيمته التّقوى عن جميع ما ينبغي ان يتّقى منه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) جواب سؤال آخر كأنّه قيل : فما حال من جاء بالحسنة ولم يكن من المتّقين؟ ومن جاء بالسّيّئة ولم يكن من المريدين للعلوّ والفساد؟ (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) اى نفس ما كانوا يعملون على تجسّم الأعمال أو جزاء ما كانوا يعملون (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) اى عيّن عليك أو فرض أو سنّ عليك العمل بما فيه من اعماله وأخلاقه (لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) اى الى مكّة فانّ المعاد هو المحلّ الّذى كنت فيه ثمّ خرجت منه وأردت العود اليه.
اعلم ، انّ القرآن اسم لمقام الجمع ولمّا كان كتاب محمّد (ص) مصدره مقام الجمع الّذى هو مقام المشيّة الّتى هو مقام الجمع المطلق والبرزخ بين الوجوب والإمكان ومجمع بحري الوجوب والإمكان سمّاه الله تعالى بالقرآن ، وفرض القرآن على محمّد (ص) عبارة عن إيصاله الى ذلك المقام الّذى لم يصل اليه أحد من الأنبياء (ع) ، ولمّا كان محمّد (ص) مبدء نزوله هذا المقام يصدق على هذا المقام انّه معاد محمّد (ص) ، ولمّا كان محمّد (ص) محيطا بالكلّ وله مقام في الدّنيا ومقام في نفوس العباد فاذا خرج من الدّنيا صحّ ان يقال إذا عاد إليها : انّها معاده ، وكذا نفوس العباد فصحّ التّفسير بانّ الّذى فرض عليك العمل بالقرآن لرادّك الى مكّة ، وصحّ التّفسير بانّ الّذى عيّن واثبت عليك مقام الجمع لرادّك الى ذلك المقام أو الى الدّنيا أو الى نفوس العباد حين احتضارهم أو حين حسابهم كما أشير إليها في الاخبار والأقوال ، وعن السّجّاد (ع) انّه قال : يرجع إليكم نبيّكم (ص) وأمير المؤمنين (ع) (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى) ما يهدى
__________________
(١) ـ دوّى الرّعد ـ الصّوت.