يُعْلِنُونَ) قد تكرّر فيما مضى انّ مكنونات الصّدور تصدق على الإرادات والعزمات والخيالات والخطرات ولكن المكنونات حقيقة هي القوى المكمونة في النّفوس الّتى لم يطّلع عليها صاحبوها ولم يعلم بها الّا الله والّا من كان من الله ، وامّا ما كان من قبيل الخطرات والخيالات فهو معلن لصاحبه وللملائكة الموكّلة به وهذه الجملة عطف في معنى التّعليل فانّ اختيار الخيرة لا يتأتّى الّا ممّن يعلم القوى المكمونة الّتى لا ظهور لها لا لصاحبها ولا لغيره (وَهُوَ اللهُ) عطف وكالنّتيجة لسابقه فانّ الّذى كان محصورا فيه خلق ما يشاء واختيار الخيرة لكلّ مخلوق وعلم الجليّات والخفيّات كان محصورا فيه الآلهة ، واستحقاق العبادة وجميع إضافات المبدئيّة وجميع الصّفات المحمودة لكلّ محمود في الدّنيا والآخرة لكونه مبدء لها وكون فاعل الشّيء اولى به من قابله فكأنّه قال فهو الله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى) في الدّار الاولى والدّار الآخرة أو في النّظرة الاولى الّتى لا نظر فيها الّا الى المخلوق لانّ الخالق هو الّذى يكون ظاهرا في المخلوق بصورته فما ينسب الى المخلوق في النّظرة الاولى فهو منسوب الى الخالق وفي النّظرة الآخرة الّتى يفنى فيها كلّ تعيّن ومهيّة ويبقى فيها الخالق بخالقيّته (وَلَهُ الْحُكْمُ) فيهما (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) بعد العود أو في نظر البصير لانّ الكلّ في نظره يرجع بوجوده وأفعاله وأوصافه الى الله بمعنى انّ البصير يرى وجود الكلّ وجودا لله ظاهرا بصورته وكذا أفعاله وأوصافه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ) قد مضى في سورة الانعام بيان لهذه الكلمة عند قوله تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ)(إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً) دائما طويلا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) لمّا كان المقصود من النّهار الضّياء الّذى به يبصرون ويتعيّشون أتى موضع النّهار بالضّياء (أَفَلا تَسْمَعُونَ) ولمّا كان الضّياء بنفسه مطلوبا ونافعا ويكون طلب المكاسب والمعايش بسبب الانتفاع به لم يأت بوصف للضّياء مثل قرينه (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ) لمّا كان العنوان في القرين الاوّل اللّيل وكان المناسب لعنوان اللّيل السّماع دون الأبصار أتى هناك بقوله أفلا تسمعون توبيخا أو تقريرا لسماعهم بخلاف القرين الثّانى فانّ العنوان فيه النّهار والمناسب له الأبصار وأيضا لمّا كان السّماع اشارة الى مقام التّقليد والأبصار الى مقام التّحقيق كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) اى بصيرة قلبيّة بها يبصر الأشياء كما هي ، أو ألقى السّمع يعنى في مقام التّقليد والمتابعة كان المناسب للّيل السّماع المشار به الى مقام التّقليد وللنّهار الّذى هو محلّ الأبصار وسبب الشّهود الّذى هو التّحقيق الأبصار الّذى هو سبب التّحقيق (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) عطف على أرأيتم ونتيجة لسابقه (لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) لفّ ونشر مرتّب (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) اى لعلّكم تتنبّهون نعمه العديدة المندرجة في اختلاف اللّيل والنّهار وانّ في اختلافهما حيوة كلّ ذي حيوة وبقاءه ونماء كلّ ذي نماء وكماله ، وانّه لو لا اختلافهما لما وجد من المواليد شيء فتشكروا تلك النّعم المندرجة في اختلافهما ، وتشكروا نفس تلك النّعمة الّتى هي اللّيل والنّهار (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) لمّا كان المقصود من هذه الآية التّعريض بالامّة واشراكهم بالولاية وكان أصل الدّين والتّوحيد توحيد الولاية وأصل الإلحاد والكفر والإشراك الكفر والإشراك بالولاية كرّرها بألفاظها وبغير ألفاظها (وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً) ولمّا كان المقصود التّعريض بالامّة فسّروا هذه الآية بفرق أمّة محمّد (ص) وبإمامهم الّذى هو من آل محمّد (ص) وهو شهيد عليهم (فَقُلْنا هاتُوا) ايّها الأمم المشركة بولاية إمامكم والكافرة بها (بُرْهانَكُمْ) على اشراككم (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ) في مظاهره الّذين هم شهداؤه عليهم (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من ائمّتهم الباطلة والإتيان بالافعال المذكورة