يتذكّروا الآخرة وتكون في ذكرهم (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) الذّكر يطلق على الكتب السّماويّة والشّرائع الالهيّة ، وعلى الرّسالة والولاية ، وعلى الأنبياء وأوصيائهم (ع) ، وعلى الولاية التّكوينيّة الّتى هي فطرة الله الّتى فطر النّاس عليها ، وعلى الجهة الّتى بها يتذكّر الله من الأشياء (وَكانُوا) في الذّرّ أو بأصل فطرتهم أو صاروا (قَوْماً بُوراً) هالكين مصدر وصف به ولذلك يطلق على الواحد والاثنين والجماعة والمذكّر والمؤنّث بلفظ واحد ، أو مشترك بين جمع بائر ووصف بار بمعنى هلك ومصدره يعنى انّهم كانوا هالكين من الحيوة الانسانيّة وغافلين عن اللّطيفة الالهيّة الّتى بها يكون تذكّر الإنسان لله ولأمور الآخرة فلم يتذكّروا من التّوجّه إلينا امرا الهيّا اخرويّا بل كان توجّههم في العبادة لنا الى الجهة النّفسانيّة منّا الموافقة لجهاتهم النّفسانيّة واهويتهم الكاسدة وشياطينهم المغوية فكانوا في عبادتنا يعبدون الجنّ واهويتهم (فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ) عطف على قالوا بتقدير القول اى فيقال للعابدين : فقد كذّبكم المعبودون وصرف للخطاب من المعبودين الى العابدين (بِما تَقُولُونَ) الباء بمعنى في أو للسّببيّة أو للتّعدية نظير كذّب بالآيات بمعنى كذّب الآيات ، ويكون حينئذ بدلا من المفعول والمعنى كذّبكم المعبودون في قولكم انهم آلهة أو في قولكم انكم عبدتموهم ، أو في قولكم ربنا هؤلاء أضلونا وقرئ بالغيبة والمعنى كذبكم المعبودون بقولهم : سبحانك (الى آخرها) (فَما تَسْتَطِيعُونَ) ايّها المشركون (صَرْفاً) للعذاب عن أنفسكم (وَلا نَصْراً) لأنفسكم وقرئ بالغيبة فيكون المعنى لا يستطيع المعبودون صرفا ولا نصرا لكم ثمّ صرف الخطاب الى المكلّفين الحاضرين فقال : (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ) بالاشراك بالله أو باىّ ظلم كان لكن بشرط ان لا يتوب (نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) والشّرط مطلق والوعيد غير مقيّد لكنّ الخلف في الوعيد غير قبيح بل حسن ممدوح ثمّ صرف الخطاب الى محمّد (ص) فقال ردّا على من أنكر أكل الرّسول (ص) ومشيه في الأسواق (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) اختبارا وفسادا فانّ الله جعل الأنبياء والأولياء (ع) فتنة وامتحانا للمؤمنين ، واختبارا وفسادا للمنافقين ، وجعل المؤمنين ارتياضا وامتحانا بأفعالهم الغير المرضيّة للأنبياء والأولياء (ع) وبأفعالهم الاخرويّة واتّصالهم بالرّسالة والولاية اختبارا وفسادا للمنافقين ، وجعل المنافقين والكافرين امتحانا للأنبياء والأولياء (ع) بايذائهم القولىّ والفعلىّ وللمؤمنين كذلك ، وعلى هذا كان اضافة بعض الى الضّمير لتعريف الجنس المفيد لفرد ما لا على التّعيين (أَتَصْبِرُونَ) استفهام في معنى الأمر اى اصبروا (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) جملة حاليّة في معنى التّعليل سواء قلنا بلزوم قد في الماضي الّذى وقع حالا أو لم نقل.
الجزء التّاسع عشر
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) اى لقاء حسابنا وثوابنا وعقابنا أو لقاء مظاهرنا ، وعدم رجاء اللّقاء امّا بعدم الاعتقاد به أو بعدم الالتفات والتّوجّه اليه وعدم الطّلب له كحال أكثر المعتقدين للآخرة (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) لرسالة الرّبّ فانّ الملك اولى بالرّسالة من الله من البشر أو لتصديق محمّد (ص) في رسالته ، أو المعنى ان كان ينزل الملك على محمّد (ص) فلو لا انزل علينا الملائكة فانّا ان لم نكن اولى بنزول الملك منه فلسنا بادون منه (أَوْ نَرى رَبَّنا) فيخبرنا بنفسه بتكاليفنا أو يخبرنا انّ محمّدا (ص) رسول منّى ، أو ان كان لنا ربّ يرسل رسولا إلينا فلم لا يظهر علينا حتّى نريه؟ (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) عند أنفسهم (وَعَتَوْا) تجاوزوا الحدّ في الاستكبار (عُتُوًّا كَبِيراً يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) يعنى انّهم استدعوا نزول الملائكة وهم مجرمون متدنّسون بدنس المادّة والملائكة مجرّدون عن المادّة مطهّرون عن دنسها ولا يظهر المجرّد على المادّىّ