على من زعم انّ الأصنام أو الكواكب أو اهريمن شريك له في الملك (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ردّ على من قال بقدم الكواكب أو الظّلمة أو اهريمن (فَقَدَّرَهُ) اى قدّر ذاته وأحواله وارزاقه وأمد بقائه ووقته ومكانه واجله (تَقْدِيراً وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) اى من دون هذا الّذى ذكر بالأوصاف المذكورة (آلِهَةً) لا يوصفون بشيء من الأوصاف المذكورة بل يوصفون بأضدادها فانّهم (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) فضلا عن ان يكونوا مالكين للسّماوات والأرض (وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً) يعنى لا يملكون المنسوبات الاختياريّة ولا المنسوبات الغير الاختياريّة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله إنكارا لرسالة رسوله (ص) وكتابه (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ) يعنى لمّا عجزوا عن معارضته ورأوا حسن نظمه أنكروه وقالوا : كان هذا بمعاونة معاونين له (فَقَدْ جاؤُ) اى منكروا الرّسالة أو منكروا الله والرّسالة جميعا (ظُلْماً) حيث أنكروا ما حقّه الإقرار وعبدوا ما حقّه الجحود والإنكار (وَزُوراً) اى رأيا وقولا منحرفا عن الصّواب (وَقالُوا) هذا القرآن أو هذه الاخبار الّتى يخبر محمّد (ص) بها (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) اى مكتوبات الأقدمين وصلت اليه أو الأحاديث المتفرّقة الّتى لا نظام لها كانت من الاوّلين ووصلت اليه وقد مضى انّ الأساطير جمع الأسطار جمع السّطر ، أو جمع الاسطار أو الاسطير بكسر الهمزة فيهما ، أو جمع الاسطور بضمّ الهمزة وتستعمل الثّلاثة بالتّاء والمجموع بمعنى الأحاديث الّتى لا نظام لها (اكْتَتَبَها) مستأنف أو خبر لأساطير الاوّلين ، واكتتب بمعنى كتب أو استكتب أو استملأ ، وقرئ اكتتبها مبنيّا للمفعول على ان يكون أصله اكتتب له الأساطير ثمّ حذف اللّام واتّصل الضّمير واستتر (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) يعنى تكرّر تلك الأساطير عليه حتّى يحفظه لانّه كان أمّيّا أو تملى عليه لتكتب له (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من سماوات الأجسام والأرواح وكذا ارضهما ، ومن يعلم السّرّ الّذى لا يطّلع عليه أحد من السّماوات والأرض في العالم الكبير يعلم السّرّ والجهر من سماوات الأرواح وارض الأشباح منكم فاحذروا من ان تقولوا أو تفعلوا في الملأ أو الخلأ أو تخيّلوا أو تنووا ما يليق بالله أو بمحمّد (ص) أو بكم (إِنَّهُ كانَ غَفُوراً) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فلم لا يؤاخذ العاصي والعاتي؟ ـ فقال : انّه كان غفورا يستر على المساوى ولا يؤاخذ ما بقي في العاصي استعداد التّوبة (رَحِيماً) يرحمهم فضلا عن ان لا يؤاخذهم (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) زعموا انّ الرّسالة تنافي البشريّة ولوازمها ولذلك قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ) ليكون حجّة على إنكارهم (وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) لرفع الحاجات ظنّا منهم انّ الرّسول (ص) لا ينبغي ان يكون محتاجا وهذا خطأ منهم فانّ الرّسول لو لم يكن بشرا أو كان بشرا ولكن لم يكن متّصفا بلوازم بشريّته لما صحّ رسالته فانّ الرّسول (ص) هو الّذى يحفظ حقوق الكثرات ولو لم يكن فيه دقائق الكثرات ممتازة لما صحّ منه حفظ حقوقها (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) وهذا أيضا خطأ منهم فانّ الملك لو كان يصحّ ان يراه البشر من غير سنخيّتهم معه لكان هو رسولا بل الملك ان ظهر على البشر هلك أو جنّ أو غشي عليه فلا يصحّ نزول الملك اليه بحيث يشاهدوه (وْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ) وهذا أيضا خطأ فانّ مشيّة الله لم تقتضي اجراء الأشياء الّا بالأسباب (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) لمّا حصروا الخيرات في الخيرات الحسّيّة قالوا أمثال ذلك (وَقالَ الظَّالِمُونَ) وضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بظلمهم وبانّ هذه الأقوال منهم ليست الّا ظلما (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)