سورة الفرقان
وهي سبع وسبعون آية ، مكّيّة كلّها ، وقيل : مكّيّة الّا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة
من قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (الى قوله) (غَفُوراً رَحِيماً).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ) هو اسم للقرآن باعتبار نزوله الى مقام الفرق وعالم الفصل ، وباعتبار صدوره عن مقام قلب النّبىّ (ص) الّذى يعبّر عنه بالبيت المعمور فانّ المصدر الّذى هو قلب النّبىّ (ص) يكون حينئذ من عالم الفرق ، وباعتبار فرقه بين الحقّ والباطل والمحقّ والمبطل ، وباعتبار تفرّقه في النّزول طول ثلاث وعشرين سنة ، وباعتبار محكماته الّتى هي مبيّنات المعنى ، وقد مضى في سورة البقرة عند قوله : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ) ، وفي اوّل آل عمران بيان اجمالىّ للفرقان والقرآن ، وقد سبق انّ اختيار التّنزيل على الانزال في القرآن باعتبار انّه منزّل من مقام الإطلاق الى مقام التّقييد ومحتاج الى تعمّل شديد من قبل من ينزّل عليه بخلاف سائر الكتب السّماويّة فانّها منزلة من مقام التّقييد ولا حاجة فيها الى زيادة تعمّل من قبل من ينزل عليه ، وتعليق تبارك على الموصول للاشعار باعتبار حيثيّة الصّلة في الحكم كأنّه قال : كثر خيرات الّذى نزّل الفرقان من حيث انّه نزّل الفرقان وهو يدلّ على كثرة خيرات الفرقان وهو كذلك لانّ المتوسّل به يكثر خيراته الدّنيويّة وخيراته الاخرويّة كما في الآيات والاخبار وكما يشهد به التّجربة والوجدان (عَلى عَبْدِهِ) يعنى محمّدا (ص) (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ) جمع العالم وهو ما سوى الله أو ما في جوف الفلك أو ما اشتمل على كثرات متّحدات بالوحدة الطّبيعيّة كأفراد النّبات والحيوان والإنسان أو ما اشتمل على افراد كلّ واحد من تلك الإفراد مشتمل على كثرات متّحدات بالوحدة الطّبيعيّة كانواع النّبات والحيوان ونوع الإنسان ، أو هو اسم جمع لانّ شرط الجمع بالواو والنّون ان يكون مفرده علما لمذكّر عاقل أو وصفا له ، ولانّ العالمين مختصّ بذوي العقول والعالم اعمّ من ذوي العقول كما قيل ، وعلى اىّ تقدير كان المقصود من العالمين المكلّفين من الانس والجنّ لانّ إنذاره (ص) خاصّ بهم (نَذِيراً) وللاشعار بانّ الإنذار مختصّ بشأن الرّسالة المشعر به تنزيل الكتاب فانّ الكتاب لا يكون الّا للرّسول (ص) اقتصر عليه ولم يذكر التّبشير الّذى هو من شؤن الولاية (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد تكرّر فيما سلف انّ اللّام في مثله يدخل على المبدء والغاية والمالك ، ولمّا كان المقصود ذمّ من اتّخذ من دون الله إلها ومن أنكر الرّسول (ص) وكتابه وصف نفسه اوّلا بكثرة الخيرات ثمّ بانزال الكتاب على محمّد (ص) ليكون كالبرهان على ذمّ من أنكرهما ثمّ وصف نفسه بخالقيّة ملك السّماوات والأرض ليكون ردّا على من زعم انّ للشّيطان ملكا وهو منعزل عن الله ومقابل ومعاند له (وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) وهذا ردّ على من زعم انّ عيسى (ع) أو عزيرا ابن الله ، وعلى من قال : نحن أبناء الله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) وهو ردّ