اى تتولّوا لا تضرّوه شيئا (فَإِنَّما عَلَيْهِ) اى على الرّسول (ص) (ما حُمِّلَ) من تبليغ رسالته وقد بلّغ لا هدايتكم الى الطّاعة حتّى يكون وبال تولّيكم عليه (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) من متابعته فضرر التّولّى عائد عليكم (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) الى الايمان الّذى هو بضاعتكم لآخرتكم وهو ولاية علىّ (ع) (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) اى التّبليغ (الْمُبِينُ) الظّاهر بحيث لا يخفى على أحد أو المظهر للمقصود (وَعَدَ اللهُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما لمطيع الرّسول؟ ـ أو ما لمن اهتدى الى الايمان الحقيقىّ؟ ـ فقال : وعد الله ووعده لا خلف فيه (الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بالبيعة العامّة النّبويّة أو بالبيعة الخاصّة الولويّة (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) اللّازمات للايمان حتّى يستقرّ ايمانهم (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) يجعلهم خلفاء الماضين أو خلفاء نفسه (فِي الْأَرْضِ) اى ارض العالم الصّغير أو ارض العالم الكبير بان يخرج الجبابرة المسلّطين عليها عنها أو يجعلهم منقادين للإسلام طوعا أو كرها (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) في الصّغير أو الكبير.
اعلم ، انّ ألفاظ القرآن لسعته لا تحمل على معنى واحد ولا على وجه واحد بل كان المنظور منها جميع معانيها بجميع وجوهها لسعة المتكلّم والمخاطب بها ، فالإيمان إذا أريد به الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة النّبويّة يجوز ان يراد بالعمل الصّالح الأعمال اللّازمة للإسلام ، وان يراد بالاستخلاف التّسلّط الصّورىّ والغلبة في الدّنيا كما ورد انّه لمّا قدم رسول الله (ص) وأصحابه المدينة وآواهم الأنصار رمتهم (١) العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون الّا مع السّلاح ولا يصبحون الّا فيه ، فقالوا : ترون انّا نعيش حتّى نبيت آمنين مطمئنّين لا نخاف الّا الله؟ ـ فنزلت هذه الآية وصدقت بعد الغلبة على المدينة ونواحيها وانقياد العرب لهم أو بعد فتح مكّة كما قيل : انّها نزلت في فتح مكّة ، وفي رواية عن رسول الله (ص) : زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمّتي ما زوي لي منها ، وفي خبر عن المقداد عن رسول الله (ص) انّه لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر الّا ادخله الله تعالى كلمة الإسلام بعزّ عزيز أو ذلّ ذليل امّا ان يعزّهم الله فيجعلهم من أهلها وامّا ان يذلّهم فيدينون لها وعلى هذا فمعنى قوله (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) ليسلّطنّهم على مخالفيهم حتّى يمكنهم إظهار كلمة الإسلام ولوازمها ، ويجوز ان يراد بالعمل الصّالح البيعة الولويّة الايمانيّة وبالاستخلاف الاستخلاف في العلم والتّصرّف بالنّسبة الى العالم الصّغير أو الى العالم الكبير ، ويجوز ان يراد بالاستخلاف استخلاف لطيفتهم الولويّة الّتى تظهر بصورة ولىّ الأمر في ملكهم الصّغير ، وإذا قويت وتمكّنت صارت خليفة لله في العلم والعمل في الصّغير والكبير ، ويجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف في النّبوّة أو الرّسالة بعد استخلاف اللّطيفة الولويّة ، وإذا أريد بالايمان الايمان الحاصل بالبيعة الولويّة يجوز ان يراد بالاستخلاف الاستخلاف في الملك أو الاستخلاف في العلم والعمل ، أو الاستخلاف بظهور صورة ولىّ الأمر ، أو الاستخلاف في النّبوّة والرّسالة ، وإذا أريد بالايمان الايمان الشّهودىّ الّذى لا يكون الّا بشهود ملكوت ولىّ الأمر جاز ان يراد بالعمل الصّالح البقاء على الحضور عنده ، وبالاستخلاف الاستخلاف في النّبوّة أو الرّسالة ، والى هذه المعاني وتلك الوجوه أشير في الاخبار فانّه فسّر الّذين آمنوا تارة بالمسلمين وتارة بالمؤمنين القابلين للولاية بالبيعة الخاصّة الولويّة ، وتارة بالكاملين في الايمان من الائمّة الاطهار (ع) ، والاستخلاف تارة بالاستخلاف في الملك وتارة بالاستخلاف في العلم والدّين والعبادة ، وتارة بالاستخلاف في ظهور القائم (ع) من أراد الاخبار فليرجع
__________________
(١) اى اتّفقوا على إيذائهم.