وهو عبادته الخاصّة به فعلى هذا جاز ان يكون ضمير علم راجعا الى الله والى كلّ (وَتَسْبِيحَهُ) كيفيّة تنزيهه لله بخروجه من قواه الى فعليّاته غاية الأمر انّ غير ذوي العقول يعلم بالشّعور البسيط دون الشّعور التّركيبىّ كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) يعنى بالشّعور التّركيبىّ (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) فيجازيهم بحسب أفعالهم ولا يفوته شيء من أفعالهم حتّى لا يجزيه (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعنى انّه تعالى خالقه ومالكه فكيف لا يعلم افعال خلقه فيه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) يعنى غاية ملك السّماوات والأرض هو الله أو رجوع افعال كلّ من في السّماوات والأرض اليه بمعنى انّ الفاعل في الكلّ هو الله وانّ الوسائط بمنزلة الآلات كالقلم واليد والقوّة المحرّكة والقوّة الشّوقيّة والارادة للنّفس فاذا نظر النّاظر الى افعال العباد وانّها صادرة منهم لكن نظر الى انّهم مسخّرون لنفوسهم ونفوسهم مسخّرة لارادتها ، وارادتها نازلة إليهم من غيرهم علم انّ الأفعال كلّها راجعة بحسب الصّدور الى مسخّر إرادات العباد وليس الّا الله (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) الجملة مستأنفة في مقام التّعليل لقوله لله ملك السّماوات أو لقوله الى الله المصير ، أو للمجموع والخطاب لمحمّد (ص) لانّه هو الرّائى لمثل ذلك لا المحجوب عن مشاهدة فعل الحقّ في افعال العباد والطّبائع ، أو لكلّ من يتأتّى منه تلك الرّؤية ، أو لكلّ راء فانّ كلّ راء ينبغي له ذلك ، والاستفهام على الاوّل والثّانى للتّقرير ، وعلى الثّالث للتّوبيخ ، والإزجاء السّوق (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) اى بين قطعه المتفرّقة (ثُمَّ يَجْعَلُهُ) بعد جمع قطعه (رُكاماً) متراكما (فَتَرَى الْوَدْقَ) اى المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ) اى من السّحاب فانّ كلّ ما علا مطبقا فهو سماء (مِنْ جِبالٍ فِيها) بدل من قوله من السّماء والمعنى ينزّل من السّحاب من القطع المعظمة المرتفعة في السّحاب (مِنْ بَرَدٍ) بعضا من برد والوجوه الاخر في اعراب الآية ومعناها ضعيفة جدّا (فَيُصِيبُ بِهِ) اى بضرر البرد (مَنْ يَشاءُ) من عباده فيهلك حرثه وماله ويخرب دوره (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) اى سنا برق السّحاب أو البرد (يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) لشدّة لمعانه (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما حال اللّيالى والايّام تكون ذوات غيم وبلا غيم؟ ـ وذوات مطر وبرد وبلا مطر وبرد؟! ـ فقال تعالى : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بان يجعل بعضهما حارّا رطبا فيحصل فيه بخار فيتولّد منه سحاب ومطر وبرد ويجعل بعضهما حارّا جدّا أو باردا جدّا أو يابسا فلا يحصل فيه سحاب أو بان يجعل مكان اللّيل النّهار ومكان النّهار اللّيل أو بان يجعل اللّيل طويلا وقصيرا وكذا النّهار (إِنَّ فِي ذلِكَ) التّقليب (لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) الّذين يبصرون الأشياء من حيث حكمها ومصالحها ونضدها وترتيبها وغاياتها المترتّبة عليها ، فانّ هؤلاء يعتبرون باختلاف اللّيل والنّهار بالزّيادة والنّقيصة والبرودة والحرارة والنّور والظّلمة ، ويستدلّون بذلك الاختلاف والانتضاد في الاختلاف والحكم المودعة فيه والغايات المترتّبة عليه من تربية جملة المواليد على انّ خالقهما عليم حكيم قادر قوىّ وان ليس هذا الانتضاد في الاختلاف الّا من مبدء حكيم وليس من الدّهر كما يقوله الدّهريّون ، ولا من الطّبع كما يقوله الطّبيعيّون ، ولا بمحض الاتّفاق كما يقوله القائلون بالبخت والاتّفاق (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) جملة حاليّة أو معطوفة على قوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ) (الآية) بلحاظ المعنى فانّه في معنى : الله يسبّح له من في السّماوات ، والاستفهام والنّفى لا يفيد الّا تأكيد هذا المعنى ، أو على قوله : (لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أو على قوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) ، أو على : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي) ، بلحاظ المعنى ، أو على يقلّب الله اللّيل ، والمراد بالماء الّذى خلق الله منه الدّوابّ هو النّطفة ولذلك نكرّ الماء اشارة الى نوع