يهدى الله ومعادل له والمناسب للمعادلة ان يقول : ويضلّ الله عن نوره من يشاء لكنّه للاشارة الى انّ الهداية من الغايات الذّاتيّة والإضلال من الغايات العرضيّة كأنّه ليس الّا من فعل العبد عدل عنه وقال والّذين كفروا بالنّور يعنى بعلىّ (ع) وولايته ، أو عطف على جملة يسبّح له فيها ومعادل له والمعنى لا يسبّح له فيها رجال (أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ) لكنّه عدل الى هذا للاشعار بانّ كون أعمالهم كسراب معلّل بكفرهم ، وللاشارة الى انّ عدم التّسبيح مسبّب عن كفرهم أيضا ، أو عطف على جملة رجال على ان تكون خبرا لمحذوف ، أو عطف على جملة يخافون على ان تكون مستأنفة (بِقِيعَةٍ) القيع والقيعة والقيعان بكسرهنّ جمع القاع وهي ارض سهلة مطمئنّة قد انفرجت عنها الجبال (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ) وهذا من التّشبيهات التّمثيليّة مثّل عمل الكافر الّذى يشبه الطّاعات الّتى تصدر عمّن قبل الولاية وصار ذا لبّ بتلقيح الولاية والبيعة الخاصّة الولويّة بسراب يلمع لمعان الماء الجاري في بيداء بعيدة في نضارة صورة عمله وخلوّها عن معنى الطّاعات وفنائها من غير بقاء اثر منها على النّفس وشبّه الكافر العامل لهذا العمل أو النّاظر الى هذا العامل وعمله الّذى يطلب الحقّ وكان الحقّ مستورا عنه ويفتتن بصورة هذا العمل بظمآن يفتتن بصورة السّراب ، وشبّه توجّه العامل أو النّاظر الى صورة هذا العمل وافتتانه به بافتتان الظّمآن واسراعه الى السّراب ، وشبّه فناء العمل من غير اثر منه حين الحاجة اليه بفناء السّراب حين الإتيان اليه بعد شدّة الحاجة باشتداد الظّماء بسبب سرعة الحركة وتهيّؤ شرب الماء ، وشبّه وجدانه الله في القيامة ومحاسبة الله ايّاه ومطالبته باماناته الّتى أودعها عنده بوجدان ذلك الظّمآن المسرع الى السّراب مع خيبته من مرجوه محاسبا قويّا مطاعا كان له على ذلك الظّمآن ديون ويطالبه بتلك الدّيون فوفّاه حسابه (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) تهديد للكافر والنّاظر الى صورة عمله فانّ سرعة الحساب كناية عن عدم فوات الجليل والحقير عنه (أَوْ كَظُلُماتٍ) يعنى انّ الّذين كفروا بالولاية امّا يكونون على صورة الإسلام ويكون عملهم صورة عمل المؤمن أو لا يكونون على صورة الإسلام ولا يكون عملهم موافقا لعمل المؤمن ، بل يكون بخلاف الشّريعة وخلاف عمل المؤمن فيكون بصورته مظلما كما انّه لا يكون له لبّ مثل عمل الكافر السّابق الّذى كان على صورة الإسلام ولم يكن له ايمان ، فشبّه أعمالهم المظلمة بظلمات اللّيل ونفوسهم المظلمة ببحر عميق أو بعيد السّاحل ، واضطرابات نفوسهم بسبب كثرة الآمال والشّهوات وكثرة خوفهم بحسبان كلّ صيحة عليهم بالأمواج المتتابعة والمتراكمة ، وشبّه الاهوية السّاترة للحقّ عن نظره بالسّحاب السّاترة للشّمس الواقعة فوق البحر فانّها تصير سببا لشدّة الظّلمة وكثرة الأمواج خصوصا إذا كان معها قطرات من المطر فقال أعمالهم كظلمات (فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ) اى يغشى البحر أو العامل (مَوْجٌ) من البحر (مِنْ فَوْقِهِ) اى من فوق الموج أو البحر أو العامل (مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ) هذا الضّمير كالضّمير السّابق (سَحابٌ) قرئ بالاضافة ومنوّنا (كَظُلُماتٍ) قرئ بالرّقع مبتدء ومسوّغه وصفه المستفاد من التّنوين ، أو خبر مبتدء محذوف ، وقرئ بالجرّ وهو على قراءة تنوين سحاب يكون بدلا من ظلمات (بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) وهي ظلمة البحر وظلمه اللّيل وظلمة الأمواج وظلمة السّحاب (إِذا أَخْرَجَ) العامل أو إذا اخرج مخرج (يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) يعنى لا يريها ولا يقرب رؤيتها أو يريها بعد جهد ومشقّة بعد ان لم يكد يريها فانّه قد يستعمل في هذا المعنى (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً) يعنى من لم يهده الله لنوره ، وهذا يدلّ على انّ قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) (الى آخره) معادل لقوله يهدى الله لنوره من يشاء ولم يقل : من لم يهتد الى نوره ، للاشعار بانّ الاهتداء الى النّور مسبّب من فعل الله بخلاف الكفر فانّه مسبّب من استعداد العبد والمراد بالنّور الّذى يجعله الله للعباد الولاية الّتى هي كالبذر في ارض القلب وكالانفحة للبن الوجود وكاللّبّ