إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) ولذا فإنهم يستعجلونه في أسلوب التحدي القائم على السخرية والاستهزاء ، في إيحاء متنوّع الأشكال والكلمات باستبعاده ـ والضمير يعود إلى يوم القيامة ـ وربما كان العمق هو الإنكار له ، كما يلوح من جوّ المواقف ، (وَنَراهُ قَرِيباً) لأن القرب لا يمثل المرحلة الزمنية الحقيقية التي لا مجال للريب فيها ، لأنها منطلقة من إرادة الله التي لا نختلف حولها ، مما يجعل من مسألة القرب والبعد مسألة تتصل بالقرب من مواقع الحقيقة الخاضعة لظروفها وأسبابها الموضوعية في ما أودعه الله ، أو البعد عنها باعتبار أنّ كل لحظة زمنية تمثل خطوة متقدمة نحو الهدف الثابت. والمراد من الرؤية ـ على الظاهر ـ الرؤية العقلية الاعتقادية التي قد تستبعد شيئا أو تستقر به على أساس المعطيات الذاتية أو الموضوعية المتوفرة لدى صاحب الرؤية ، على صعيد الفكر أو المزاج أو الواقع.
* * *
أهوال يوم القيامة
(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) وهو المذاب من المعدنيات كالنحاس والذهب وغيرهما ، وقيل درديّ الزيت أو عكر القطران ، وهو كناية عن فقدان التماسك ، (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) وهو الصوف المنفوش. وهذا هو الجوّ الذي يقف فيه الإنسان مشدوها أمام هذا التغيّر العنيف الذي تفقد فيه السماء في أجرامها الصلبة تماسكها لتتحول إلى حالة من السيولة كما هو ذوب المعادن ، أو كما هو الزيت الكدر ، كما تفقد فيه الجبال صلابتها لتتحول إلى أن تكون كالصوف الواهن. وبذلك تقف العيون في حريتها اللاهثة أمام الكون الذي