التهمة ، أو الإيحاء به من خلال استغرابهم لمضمون القرآن في خروجه عن المألوف في تفكيرهم. أمّا قوله تعالى : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) فإنه يؤكد ما قلناه ، لأنه يريد أن يقرر الحقيقة القرآنية التي أنزلها الله لتذكّر الناس بالحقائق في العقيدة والعمل ، ولتخرجهم من الغفلة المطبقة على عقولهم المستغرقة في زوايا الجهل والتخلّف ، كما يوحي بأن استغرابهم لها ناشئ عن الجوّ الضبابيّ الذي يحجب الحقيقة عنهم ، لأن الخروج عن المألوف لا يعني الخروج عن الحقيقة ، فربما كان المألوف خاضعا لذهنية متخلفة أو عقلية موروثة من الآباء المتخلفين.
* * *
عالميّة رسالة الإسلام
وقد نجد في هذه الآية المكية التي أكدت على أن القرآن جاء ذكرا للعالمين ، ردّا على بعض المستشرقين الذين تحدثوا عن أن عالمية الرسالة لم تكن في وعي النبي محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم عند ما كان في مكة ، بل كانت حالة طارئة انطلق فيها وهو في المدينة بعد أن اتسعت انتصاراته ، مما أدّى إلى اتساع طموحه في السيطرة على العالم.
إن هذه الآية في هذه السورة المكية تؤكد من الناحية التاريخية أن المسألة كانت منطلقة في الوحي الإلهي منذ الأيام الأولى للدعوة ، ولم تكن مسألة الحديث عن أنه ذكر للنبي ولقومه ، أو إنذار أم القرى ومن حولها ، ناشئة من محدودية ساحة الدعوة ، بل كانت ناشئة من طبيعة الظروف الزمانية والمكانية التي كانت تفرض التدرّج في الدعوة ، من أجل الوصول إلى الساحات الأخرى من موقع القوّة الممتدة في أكثر من مكان.
* * *