يدعو إليها ليستمع إليها بأذنه ويقبل عليها بقلبه ، ليتحرك من خلالها في حركة حياته. ولكنّ هؤلاء لا ينطلقون من هذا المنطلق ، ولا يسيرون في اتجاه هذا الهدف ، فهل فكّر هؤلاء في الجنة ، وكيف يفكرون بها وهم لا يؤمنون بها؟ وهل يمكن أن يفصلوا بين الإيمان بالرسول وبين الطمع في الجنة ، فيكفروا به ، ولكنهم يتقربون منه ويتحلقون حوله ، ويدنون من مجلسه ليدخلوا الجنة ببركته؟ ولكن ذلك لا قيمة له إذا كانوا قد فكروا بمثله ، لأن الجنة ليست للكافرين ، ولكنها للمؤمنين العاملين بما يرضى الله. (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) فهل المسألة مسألة طمع تقوده التمنيات ، أو مسألة عمل صالح يقوده الإيمان؟ (كَلَّا) فليس لهم ذلك كله ، وعليهم أن يفكروا كيف بدأ خلقهم ، وممّ خلقوا ، ليعرفوا سرّ عظمة الله في ذلك ، من خلال عظمة الخلق الذي تحوّلت فيه النطفة الحقيرة المهينة إلى إنسان سويّ.
(إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) وقد تكون الإشارة القرآنية مسوقة للتعبير عن حقارة الماء المهين الذي كان البذرة الأولى لبداية النموّ في وجودهم ، ممّا يجعل تفكيرهم الماديّ الذي يقيسون به الأشياء مشدودا إلى تحطيم حالة الكبرياء التي يعيشونها ضد الرسالة والرسول ، ليفكروا بالمسألة من موقع متوازن يضع الأمور في نصابها الصحيح ، فيفكر بالرفعة من قاعدة المعاني الروحية التي تشد الإنسان إلى السموّ ، لا من قاعدة الأمور المادية التي تشد الإنسان إلى الأسفل.
* * *
رب المشارق والمغارب
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) لأن الأمر ليس بحاجة إلى القسم لتأكيده ، لأنه من حقائق العقيدة التي يفرضها الإيمان بالألوهية التي تملك القدرة