عظمة الله في قدرته ، مما يفرض على كل عباده ـ وأنتم منهم ـ أن يسبّحوه ويخضعوا له ويطيعوه ، في التزام أمره ونهيه ، وفي الإيمان بغيبه ، في ما يمكن أن يفعله في دائرة حكمته ، ليتركوا الأمور كلها معلقة بمشيئة الله ، وخاضعة في وعيهم الإيماني لإرادته التي لا يعجزها شيء مهما كان عظيما.
ورجعوا إلى أنفسهم ، وانكشفت عن عقولهم أغشية الغرور والكبرياء التي كانت تحجبهم عن رؤية النور المشرق من وحي الله ، في ما جاءت به رسله من توحيده ، ونفي الشركاء عنه ، وسعة قدرته في تدبير شؤون خلقه.
* * *
تلمّس الهداية
(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) العظيم في لطفه ، والعظيم في عقابه (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) فقد ظلمنا أنفسنا بالشرك الذي ضللنا في غياهبه ، وبالاستغراق في أوضاعنا المادية حتى لم نعد نبصر إشراقة الروح في عقولنا ، وظلمنا الحياة من حولنا عند ما تحركنا في ساحاتها بالشرّ والفساد والأنانية والكبرياء ، وظلمنا الناس الفقراء الذين يعيشون في حياتنا ، بالامتناع عن مساعدتهم ممّا رزقنا الله من النعم الوفيرة التي أرادنا أن نمنحهم منها في ما جعله من حقّ للسائل والمحروم.
(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) يلوم كلّ واحد منهم صاحبه على ما قاموا به من ظلم وانحراف عن الخط المستقيم ، (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) في ما سوّلت لنا شياطين الشرّ في أنفسنا من الطغيان الذاتي على مقام ربنا ، وعلى الناس من حولنا ، فلم نستطع أن ندرك جيدا حجمنا الطبيعي في عبوديتنا لله التي تفرض علينا أن نتعرف حدود قدرتنا وطبيعة حاجتنا المطلقة إليه ، كما نتعرف حدود مسئوليتنا في أنفسنا ، وفي ما نملك من مال وجاه ونحوه ،