ولكنه اليوم يقف ليضحي بزوجته وأخيه وعشيرته ليسلم من عذاب هذا اليوم ، فأيّ عذاب هو هذا العذاب؟ وأيّ موقف هو هذا الموقف الذي تتعطل فيه كل المشاعر والعلاقات والأوضاع الإنسانية في حياة هذا الإنسان الذي تلاحقه جريمته في وعيه ، تماما كما هو الوحش الذي يريد افتراسه؟! ولن يكتفي بهؤلاء ، بل تتعاظم المسألة عنده حتى يفكر بأن يضحي بكل من في الأرض (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) بجميع طبقاتهم وأشكالهم ودرجاتهم لأن نفسه هي كل شيء عنده (ثُمَّ يُنْجِيهِ) من هذا العذاب.
* * *
النار تدعو إليها من أدبر وتولّى
(كَلَّا) فلا مجال لكل هذه التمنيات لأن الله لن يجعل أحدا فداء لأحد ، فعلى كل شخص أن يتحمّل مسئولية نفسه ، فلا يحملها عنه غيره. فإذا عاش الإنسان في الدنيا عالم الجريمة باختياره الواعي المتمرد على الله ، فلا بد من أن يواجه في الآخرة عالم النار الذي يحتويه بكل ما فيه من خصائص الإحراق. (إِنَّها لَظى) هذه التي تواجهكم وتلاحقكم بلهيبها المحرق ، (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) وقيل : إن الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس التي تنزعها النار وتفصلها عن الرأس ، وقيل : إنها الأطراف ، فيكون المعنى : إنها تنزع الأطراف وتقتلعها من مكانها لتعاد من جديد ، (تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) عن الله وعن رسله وكتبه واتبع شيطانه الذي يضله ويدعوه إلى عذاب السعير ، (وَجَمَعَ فَأَوْعى) من هؤلاء الذين جمعوا المال واستغرقوا فيه ، فلم يكن لهم أيّ همّ في الحياة إلّا أن يجمعوه من حلال أو حرام ، ليملئوا به أوعيتهم المعدّة لذلك ، من دون أن يتحسسوا مسئوليتهم في مصادره وفي موارده ، وليتحول ذلك عندهم إلى حالة معقّدة من الطغيان الذي يمتد بهم إلى الكفر بالحق الذي يأتيهم على لسان الرسل ، ويدفعهم إلى الضغط على أصحابه والعمل على إضلال الناس الذين يؤمنون