الذي يرهق الأبصار ويهزّ القلوب (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) في موقفهم الخاسر الذي يواجهون فيه العذاب الأليم ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ) وذلك عند ما كانوا في الدنيا قادرين على أن يستقيموا في خط توحيد الله في العقيدة والعبادة ، وأن يسجدوا له إيمانا وخضوعا ، ليتفادوا هذا الموقف الخاشع الذليل في يوم القيامة ، (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) فلست ـ أنت يا محمد ـ الذي تواجهه بالموقف المتحدي في ساحة المواجهة الصعبة التي تقوده إلى نهايته المحتومة. ولعل الإنسان الذي يستمع إلى الله رب العالمين وهو يقول لرسوله : ذرني وهؤلاء فأنا الكفيل بهم ، يشعر بالهول الكبير الذي لا هول مثله ، من خلال هذا التهديد الإلهي الحاسم.
* * *
استدراج الكافرين من حيث لا يعلمون
(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) وذلك بالأسلوب الذي قد يخيّل لهم فيه بأن الله قد أهمل أمرهم ، من خلال ما يشاهدونه من النعم الكثيرة المحيطة بهم ، وربما يحسبون ذلك كرامة من الله لهم .. ولكنه الاستدراج الذي يقعون فيه من دون وعي للنتائج المقبلة عليهم ، (وَأُمْلِي لَهُمْ) وذلك بإمهالهم حتى يمتدوا بالمعاصي ، وتمتد النعم بهم في مواقع الابتلاء والامتحان ، (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) قويّ لا يتخلّف عن هدفه ، في ما يتخلف فيه كيد الكافرين عن غاياتهم ، لأنهم لا يملكون امتدادا في القدرة الخفية التي تتعامل مع واقع القضايا لا ظاهرها.
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على دعوتك ، كما هو حال الكثيرين من الدعاة الذين يريدون أن يحصلوا من خلال دعوتهم على المال ، في ما يحصلون عليه من المواقع المتقدمة في المجتمع ، ليتعللوا بذلك في الوقوف ضدك ، لأنهم لا