يطلقوا عقولهم للتفكير بالقضايا المتصلة بالله والكون والحياة والإنسان ليهتدوا بهدى العقل ، بما تستقل به عقولهم في إدراك الأمور ، أو ليهتدوا بهدى الوحي الذي يسمعونه من الرسول ، وقد أدى هذا الوضع إلى وجودهم في هذا المكان الذي يمثل المصير الأسود ، (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) وقيل : إن تقديم السمع على العقل لأن استعماله من شأن عامة الناس ، وهم الأكثرون ، والعقل شأن الخاصة وهم آحاد قليلون. وربما كان الأساس في ذلك هو أن السؤال الموجه إليهم كان عن النذير الذي أتاهم فكذبوه من دون أن يسمعوا له أو يحركوا عقولهم في التفكير بأمره وبدعوته ، مما يجعل القضية تعيش في نطاق السمع في البداية.
(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) وهم يعيشون في أجواء الندامة القاتلة بعد أن استعادوا تلك المرحلة من تاريخهم في الحياة الدنيا ، وكيف استسلموا للعناد والمكابرة ضد الحق ، استكبارا وعتوّا (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) الذين يواجهون العذاب من موقع الاستحقاق فلا يستحقون رحمة من الله لهم ، ولا يتعلقون بأيّ حبل من حبال المغفرة ، لأنهم كفروا بالله ، وكذّبوا الرسل ووقفوا بين الناس وبين الإيمان فأساءوا إلى الناس وإلى الحياة كلها ، حيث ابتعدوا بهم وبها عن الصراط المستقيم.
ولهذا كانت كلمة السحق التي تمثل ذروة العنف المنبثق عن الغضب ، هي الكلمة التي يستحقونها هناك.
* * *
المغفرة والأجر للذين يخشون الله
(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) وهذا هو النموذج الآخر للذين يستمعون إلى الرسالة والرسول ، فيواجهون الموقف بمسؤولية