عنكم فلم يلزمكم بقيام الليل ، فلو تركتموه لم يكن عليكم حرج ، كما هو الأمر بالنسبة إلى التائب الذي لا يبقى عليه شيء من ذنبه بعد التوبة ، (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) في الصلاة أو في غيرها بما لا يشقّ عليكم أمره ، لأن الله يريد لكم أن تعبدوه عبادة منفتحة على طاقة الجسد وتوجّه القلب ، وحيويّة الروح ، كما يريد لكم أن تعيشوا روحيّة القرآن وفكره ، لترتفعوا إلى مستوى المعرفة الفكرية والروحية والعملية في وحي الله الذي أرسل رسوله ليزكّيكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ، ولتهتدوا إلى مواقع رضاه في خط طاعته.
* * *
مسوّغات تخفيف قيام اللّيل
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ) لا يطيقون الجهد الكبير الشاقّ الذي يثقل الجسد ، (يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) في أسفار بعيدة شاقة (يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ليطلبوا الرزق من مواضعه ، ويقوموا بمسؤولياتهم المالية تجاه أنفسهم وعيالهم ، وما كلّفهم الله من الإنفاق في مجتمعهم ، (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فيعانون الكثير من الحركة في طريق الجهاد بما قد يعطّل عليهم الكثير من القيام ببعض الأعمال العادية ، مما قد يفرض التفرّغ والتخفف في نظام الواجبات العادية.
وقد لا يكون هذا من النسخ في الحكم ، بل هو يشتمل ـ كما يقول صاحب الميزان ـ على «التخفيف في قيام الليل من حيث المقدار لعامّة المكلّفين تفريعا على علمه تعالى أنهم لن يحصوه ، ولازم ذلك التوسعة في التكليف بقيام الليل من حيث المقدار ، حتى يسع لعامّة المكلّفين الشاق عليهم إحصاؤه دون النسخ ، بمعنى كون قيام الثلث أو النصف أو الأدنى من الثلثين لمن استطاع ذلك بدعة محرّمة ، وذلك أن الإحصاء المذكور إنما لا يتيسر لمجموع المكلّفين ، لا لجميعهم ، ولو امتنع لجميعهم ولم يتيسّر لأحدهم لم