دائرة الجن ليؤكدوا أن الجن لا يمثلون مجتمع الشر ، بل يمثلون المجتمع المختلط الذي يشتمل على الخيّرين ، كما يشتمل على الشريرين ، على خلاف الفكرة الشائعة عنهم في ذلك ، ولو كان الأمر كما يظن الناس في أجواء الشائعات ، لما كانوا موضعا للتكليف من قبل الله.
(وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) فقد عرفنا معنى الألوهية في معنى الله الذي يحيط بكل شيء علما ، ويهيمن على الوجود كله ، فلا يغيب شيء عن علمه ، ولا يخرج شيء عن قدرته ، فإذا أراد الله بنا شرّا فلن نستطيع الخلاص منه ، ولن يعجز الله عنه ، ولن نتمكن من الهروب من سلطته ، لأن أعماق الأرض ورحاب الفضاء جزء من ملكه ، فإلى أين المفرّ وكيف الخلاص؟!
ومن خلال ذلك نفهم أنّ علينا الخضوع له في كل أوامره ونواهيه ، لأن ذلك وحده هو سبيل النجاة من عقابه في الدنيا والآخرة. وإذا كان بعض الناس ينحرفون عن هذا الخط ، فإنهم كانوا يعيشون الغفلة المطبقة على عقولهم التي تبتعد بهم عن وعي الحقيقة الإيمانية التي تعرّفهم مقام ربهم في الكون ، وموقعهم منه في ضعفهم المطلق أمام القوّة المطلقة لله.
(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) لأن وجداننا الصافي ، وفطرتنا المنفتحة ، كانا الدليل على الهدى في العقيدة والشريعة والمنهج ، فلا مجال لإنكاره ، لأنه لا مجال للريب فيه ، لا سيّما وأن الهدى الديني التوحيدي لا يمثل حالة فكرية تجريدية لا دخل لها بالحياة في مسألة المصير ، بل يمثل الحالة المتصلة بالمصير كله في الدنيا والآخرة ، بحيث يتحرك الهدى والضلال في دائرة النعيم الدائم ، والشقاء الخالد ، فكيف يمكن أن نعيش جوّ اللّامبالاة تجاه الرسالة وأن نواجه حالة العناد في حركتنا عندها لنتمرد عليها ، كما يفعل المعاندون في خط الرسالات ، (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً) أي نقصا (وَلا رَهَقاً) أي