داخله ، كما يفعل البعض من الناس عند ما يواجهون التحدي والتمرّد والعناد من الآخرين الذين يرتبطون بهم من خلال الدعوة ، أو من خلال أشياء أخرى ، بل انطلق من خلال دراسة طويلة شاملة عميقة ، استنفد فيها كل التجارب ، فلم يعد هناك أيّ أمل في هدايتهم ، بل أصبحت المسألة مسألة الخطر الذي يمثله وجود هؤلاء على الأجيال القادمة من أولادهم ، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) بما يملكونه من وسائل الضغط من خلال امتيازاتهم القائمة على الكثرة العددية ، والقوّة المالية ، مما يجعل الناس مشدودين إليهم من موقع الحاجة والخوف ، فيخضعون لهم في انتماءاتهم لأنهم هم الذين يتولّون مهمّة تنشئة أولادهم على الكفر والفجور ، ويمنعون غيرهم من العمل على إرشادهم إلى الطريق المستقيم. وقيل : إن الرجل من قوم نوح كان ينطلق بابنه إليه ، ويقول له : احذر هذا ـ مشيرا إلى نوح ـ فإنه كذّاب ، وإنّ أبي أوصاني بمثل هذه الوصية ، فيموت الكبير وينشأ على ذلك الصغير.
ويختم نوح تقريره ، بالابتهال إلى الله والانقطاع إليه في طلب المغفرة منه لنفسه في ما يمكن أن يكون قد قصّر فيه من تبليغ الرسالة ، ولوالديه وللمؤمنين معه ، في ما توحي به كلمة المغفرة من الرضى والرحمة واللطف الإلهي الكبير.
(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) من المجتمع الكافر الذي استطاع هؤلاء أن يتمردوا على قيمه وضغوطه فآمنوا من موقع القناعة العميقة.
(وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الذين عانوا الكثير في خطّ الرسالة ، وثبتوا على الإيمان بالرغم من كل الضغوط الهائلة والإغراءات الكثيرة. (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) أي هلاكا. وينتهي التقرير الرساليّ ، ويسود الصمت في تاريخ نوح والمؤمنين معه بعد نهاية الطوفان ممّا لا يعلم سرّه إلا الله.
* * *