فقال عليهالسلام : يا جون ، إنما تبعتنا طلبا للعافية ، فأنت في إذن مني (وفي اللهوف : فلا تبتل بطريقتنا) فوقع على قدميه يقبّلهما ويقول : أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ، وفي الشدة أخذلكم!. والله إن ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفّس (١) عليّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيضّ وجهي. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين (٢). فقتل ٢٥ شخصا حتى قتل رضوان الله عليه.
(وفي رواية أبي مخنف في مقتله ، ص ٧١) قال : «فلم يزل يقاتل حتى قتل سبعين رجلا ، فوقعت في محاجر عينه ضربة ، وكبا به جواده إلى الأرض ، فوقع على أمّ رأسه ، فأحاطوا به من كل جانب ومكان ، فقتلوه». فوقف عليهالسلام وقال : اللهم بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وعرّف بينه وبين آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وروي عن الإمام الباقر عليهالسلام : أن الناس كانوا يحضرون المعركة فيدفنون القتلى ، فوجدوا جونا بعد عشرة أيام تفوح منه رائحة المسك (٣).
ترجمة جون مولى أبي ذرّ الغفاري
(مجلة البيان النجفية ، السنة ٢ العدد ٣٥ ـ ٣٩)
هو جون بن حوي بن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن حوي النوبي. اشتراه الإمام علي عليهالسلام من الفضل بن العباس ابن عبد المطلب بمائة وخمسين دينارا ، ووهبه لأبي ذرّ ليخدمه. فانتقل من بيئة تزخر بالثراء والجاه إلى أخرى قد خيّم عليها جلال الزهد والتقوى ، وغمرها سلطان الإيثار والقناعة والتقشف. رافق جون أباذر في حياته وعاش معه مآسيه ، وكان رفيقه المخلص في (الربذة) حتى قضى رضوان الله عليه ، فبكاه بدموع سخيّة.
__________________
(١) تنفّس عليّ بالجنة (بصيغة الأمر) : أي تفضّل عليّ بما يدخلني الجنة.
(٢) اللهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس ، ص ٦١.
(٣) مثير الأحزان للجواهري ، ص ٧٥.