الفصل الثالث والثلاثون
أعمال يزيد بعد كربلاء
مقدمة الفصل :
لم تنته أعمال يزيد في محو الدين ، وقتل أعلام المسلمين ، عند كربلاء ؛ بل تابع يزيد مخططه الإجرامي ، بقتل أهل الحرمين : المدينة المنوّرة ومكة المكرّمة. فاستحق بذلك عقوبة السماء ، بأن يبتر عمره ، فيموت في ظروف غامضة ، بعد ثلاث سنوات فقط من حكمه الدموي ، مصداقا لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
«بشّر القاتل بالقتل ، ولو بعد حين».
وكان يزيد قد بعث إلى أهل المدينة يطلب منهم البيعة له ، فأرسلوا وفدا إلى دمشق ، فلما رأوا بأمّ أعينهم واقع يزيد من الفسق والكفر والتهتك ، رجعوا إلى أهلهم وأخبروهم بحاله ، فامتنع أهل المدينة عن البيعة ليزيد ، وأعلنوا العصيان المدني ، وطردوا والي المدينة ومعه كل بني أمية ، وعلى رأسهم مروان ابن الحكم العدو الماكر للإسلام والمسلمين.
فما كان من يزيد إلا أن بعث إليهم جيشا بقيادة مسلم بن عقبة المرّي ، الّذي حاصر المدينة المنورة ، ثم دخلها في وقعة (الحرّة) ، وقتل كل أبناء الصحابة والتابعين ، واستباح نساء الأنصار والمهاجرين ، مدة ثلاثة أيام ، حتى قيل إنه ولدت في تلك السنة ألف عذراء ، أولادا لا يعرف لهم آباء. وسمّي هذا السفاك (مسرفا) لكثرة ما أسرف في قتل أهل المدينة ، مدينة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وكانت تلك وصمة عار كبيرة في جبين الإسلام بعد كربلاء ، أتبعتها وصمة
لا تقلّ عنها ، حين أمر يزيد جيشه أن يذهب إلى مكة ويغزوها. فلما مات مسلم بن عقبة في الطريق ، تولى قيادة الجيش الحصين بن نمير ، الّذي ذهب إلى مكة وحاصرها ، وطبّق عليها تعاليم ولي أمره بحذافيرها ، فضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت وأخذت النار فيها.