زينب عليهالسلام. فأمر عمر بن سعد أصحابه ، فضربوا خيمة. فجمعت زينب عليهاالسلام الأطفال والعيال في تلك الخيمة ، ووقفت هي على يمينها ، وأم كلثوم على شمالها ، وجعلت تتفقّد النسوة والأطفال ، إذ افتقدت الرباب زوجة الحسين عليهالسلام. فخرجت في طلبها تنادي : رباب كلّميني ، في أي واد أنت؟
٢٦٢ ـ الرباب تبحث عن طفلها الرضيع :
إلى أن وصلت إلى مصرع الحسين عليهالسلام فرأتها جالسة هناك. قالت لها : ما الذي أخرجك في هذا الليل؟. قالت : سيدتي لا تلوميني. لما جنّ عليّ الليل درّت عليّ محالبي ، وأوجعني صدري ، فجئت إلى رضيعي لعلي أجد فيه رمق الحياة ، فوجدته مذبوحا من الوريد إلى الوريد. يقول الشيخ محمّد تقي الجواهري مصوّرا مناجاة الرباب لابنها الذبيح عبد الله :
بنيّ أفق من سكرة الموت وارتضع |
|
بثدييك علّ القلب يهدأ هائمه |
بنيّ لقد درّا وقد كظّك الظما |
|
لعلك يطفى من غليلك ضارمه |
بنيّ لقد كنت الأنيس لوحدتي |
|
وسلواي إذ يسطو من الهم غاشمه |
٢٦٣ ـ منظر يفطّر الفؤاد ويفتّ في الأكباد :
(بطلة كربلاء زينب بنت الزهراء لبنت الشاطئ ، ص ١٢٧)
مع غروب شمس العاشر من المحرم ، كانت الدماء تلطخ ثرى كربلاء ، وتنعكس الأنوار المنبلجة منها على الأفق ، فتكسبه حمرة وردية لم تر فيه من قبل. تلك الدماء الزكية التي تجري من الأشلاء المتناثرة على الربى والسهوب ، وقد جرّدت منها الرؤوس ، تسطع منها أنوار العزة والشهادة ، وتفوح منها رائحة الجنة والخلود. قالت بنت الشاطئ : ولاح القمر من وراء الغيوم خابي الضوء شاحبه ، وعلى ذلك الضوء الشاحب بدت (زينب) في نفر من الصبية ، وجمع من الأرامل والثواكل ، عاكفات على تلك الأشلاء ، يلتمسن فيها ذراع ولد حبيب ، أو كتف زوج عزيز ، أو قدم أخ غال. وغير بعيد منهن كان عسكر (ابن زياد) يسمرون ويشربون ، ويحصون على ضوء المشاعل ما قطعوا من رؤوس ، وما انتهبوا من أسلاب. وما أن خيّم الظلام حتى كانت رؤوس الشهداء الأبرار والمؤمنين الأحرار تحمل على رؤوس الرماح ، إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة.