الفصل الرابع والعشرون :
شهادة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام سيد شباب أهل الجنّة
مدخل الفصل :
بعد أن استشهد العباس عليهالسلام انهدّ ركن الحسين عليهالسلام وانكسر ظهره لمصرعه ، وأصبح وحيدا فريدا بين الوحوش من الأعداء (كأني بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواوويس وكربلاء). وقد عميت أبصارهم إلا عن جوائز يزيد وأحقاد نهروانية ضدّ عليعليهالسلام.
فركب الحسين عليهالسلام جواده يقصد مشرعة الفرات ، بعد أن أخذ العطش منه مأخذه ومن الهاشميات والأطفال ، وهو يرتجز أشعاره الخالدة ، فأصابه سهم في حنكه الشريف. ثم حالوا بينه وبين رحله ، فرجع ليحمي نساءه ، وطلب من الشمر عدم التعرض لهن ، فأجابه إلى ذلك. ثم ما زال عليهالسلام يكشفهم عن المشرعة حتى وصل إلى الفرات. وحين همّ بأن يشرب ، ترامى له نبأ بتعرض القوم لرحله ، فرجع إلى المخيم ، فوجد أنها خدعة. عندها اغتنم الفرصة وودّع عياله الوداع الأخير ، وهو عازم على الموت ، وانطلق يغوص في الأعداء.
وخاف شمر من بسالة الحسين عليهالسلام فطلب من عمر بن سعد أن يتفرق جيشه إلى ثلاث فرق للإحاطة بالحسين عليهالسلام ، ففعل. وظل الحسين عليهالسلام يحارب على فرسه حتى صار جسمه معقودا بالسهام كالقنفذ. فضربه رجل منهم بحجر فأصاب جبهته الشريفة ، ثم جاءه سهم ذو ثلاث شعب فوقع في قلبه. فخرّ عن جواده إلى الأرض ، ثم استوى جالسا. فخرجت أخته زينب عليهاالسلام تخاطب عمر بن سعد مندّدة بأعماله البربرية.
ثم صاح الشمر صيحته الثانية قائلا : ويحكم ما تنتظرون بالرجل ، اقتلوه. فاجتمعوا عليه يضربونه من كل جانب ، وهو ينوء ويكبو ، حتى سقط صريعا. وما زال يطلب الماء في تلك الحال وقد أعياه نزف الدم ، وهم يمنعونه منه ، وكأنه لم يبق في قلوبهم ذرة من الرحمة والشفقة.