ثانيا ، فجمع في
قوله : «أنفسه» وفي هذه المواضع يكون قد حمل فيها أوّلا على اللّفظ ، ثم على
المعنى ثم على اللّفظ ، وكنت قد قدّمت أن في القرآن من ذلك أيضا ثلاثة مواضع : آية
المائدة : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] ،
ولقمان : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [لقمان : ٦] ، والطلاق : (وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللهِ) [الطلاق : ١١].
قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) قرأ ابن كثير : «يكن» بياء الغيبة «ميتة» رفعا ، وابن عامر : «تكن»
بتاء التّأنيث ، «ميتة» رفعا ، وعاصم في رواية أبي بكر «تكن» بتاء التّأنيث ، «ميتة»
نصبا ، والباقون «تكن» كابن كثير «ميتة» كأبي بكر والتّذكير والتّأنيث واضحان ؛
لأن الميتة تأنيث مجازيّ ؛ لأنها تقع على الذّكر والأنثى من الحيوان ، فمن أنّث
فباعتبار اللّفظ ، ومن ذكّر فباعتبار المعنى ، هذا عند من يرفع «ميتة» ب «تكن»
أمّا من ينصبها ، فإنه يسند الفعل حينئذ إلى ضمير فيذكر باعتبار لفظ «ما» في قوله
: (ما فِي بُطُونِ) ويؤنّث باعتبار معناها ، ومن نصب «ميتة» فعلى خبر «كان»
النّاقصة ، ومن رفع فيحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون
التّامّة ، وهذا هو الظّاهر ، أي : وإن وجد ميتة أو حدثت ، وأن تكون الناقصة
وحينئذ يكون خبرها محذوفا ، أي : وإن تكن هناك أو في البطون ميتة وهذا رأي الأخفش
، فيكون تقدير قراءة ابن كثير : وإن يحدث حيوان ميتة ، أو وإن يكن في البطون ميتة
على حسب التقديرين تماما ونقصانا ، وتقدير قراءة ابن عامر كتقدير قراءته ، إلا أنه
أنّث الفعل باعتبار لفظ مرفوعه ، وتقدير قراءة أبي بكر : وإن تكن الأنعام أو
الأجنّة ميتة ، فأنّث حملا على المعنى ، وقراءة الباقين كتقدير قراءته ، إلا أنّهم
ذكروا باعتبار اللّفظ.
قال أبو عمرو بن
العلاء : ويقوّي هذه القراءة ـ يعني قراءة التّذكير والنّصب ـ قوله : (فَهُمْ فِيهِ) ولم يقل : «فيها» وردّ هذا على أبي عمرو : بأن الميتة لكل
ميّت ذكرا كان أو أنثى ، فكأنه قيل : وإن يكن ميّتا فهم فيه ، يعني : فلم يصر له
في تذكير الضّمير في «فيه» حجّة.
ونقل الزّمخشري قراءة ابن عامر عن أهل مكّة ، فقال : «قرأ أهل مكّة «وإن
تكن ميتة» بالتأنيث والرّفع» ، فإن عنى بأهل مكّة ابن كثير ـ ولا أظنه عناه ـ فليس
كذلك ، وإن عنى غيره ، فيجوز على أنه يجوّز أن يكون ابن كثير قرأ بالتّأنيث أيضا
لكن لم يشتهر عنه اشتهار التّذكير.
وقرأ يزيد «ميّتة» بالتّشديد
، وقرأ عبد الله : «فهم فيه سواء» قال شهاب الدّين: وأظنّها تفسير لا قراءة ، لمخالفتها السّواد ، وقوله : (وَهُمْ فِيهِ) أي : أن الرّجال والنساء فيه شركاء.
__________________