يقرؤها بالرفع ؛ لأنّا قد وجدنا العرب تجعل «بين» اسما من غير «ما» ، ويصدّق ذلك قوله تعالى: (بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) [الكهف : ٦١] فجعل «بين» اسما من غير «ما» ، وكذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] قال : «وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها» ثمّ ذكر ما ذكرته عن أبي عمرو بن العلاء ، ثمّ قال : «وقرأها الكسائيّ (١) نصبا» ، وكان يعتبرها بحرف عبد الله : «لقد تقطّع ما بينكم».
وقال الزّجّاج (٢) : والرّفع أجود ، والنّصب جائز ، والمعنى : «لقد تقطّع ما كان من الشّركة بينكم».
الثالث : أن هذا الكلام محمول على معناه ؛ إذ المعنى : لقد تفرّق جمعكم وتشتت ، وهذا لا يصلح أن يكون تفسير إعراب.
قوله : «ما كنتم» «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدريّة ، والعائد على الوجهين الأوّلين محذوف ، بخلاف الثّالث فالتّقدير : تزعمونهم شركاء أو شفعاء ؛ فالعائد هو المفعول الأوّل ، وشركاء هو الثّاني ؛ فالمفعولان محذوفان اختصارا ؛ للدلالة عليهما إن قلنا : إنّ «ما» موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يكون الحذف اختصارا ؛ إن قلنا : إنّها مصدريّة ؛ لأن المصدريّة لا تحتاج إلى عائد ، بخلاف غيرها ، فإنّها تفتقر إلى عائد ؛ فلا بد من الالتفات إليه ، وحينئذ يلزم تقدير المفعول الثّاني ، ومن الحذف اختصارا : [الطويل]
٢٢٥٣ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة |
|
ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب؟ (٣) |
أي : تحسب حبّهم عارا عليّ.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٩٥)
لما قرر التّوحيد وأردفه بتقرير أمر النّبوّة ، وتكلّم في بعض تفاريع هذا الأصل ، عاد إلى ذكر الدّلائل الدّالّة على وجود الصّانع ، وكمال قدرته ، وحكمته ، وعلمه ، تنبيها على أنّ المقصود الأصليّ من جميع المباحث العقليّة ، والنقلية : معرفة الله بذاته ، وصفاته ، وأفعاله.
قوله : (فالِقُ الْحَبِّ) : يجوز أن تكون الإضافة محضة ، على أنّها اسم فاعل بمعنى الماضي ؛ لأنّ ذلك قد كان ، ويدلّ عليه قراءة عبد الله : «فلق» فعلا ماضيا ، ويجوز أن
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦ ، الدر المصون ٣ / ١٣٠ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٢٤.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٠.
(٣) البيت للكميت بن زيد ينظر : المقرب ١ / ١١٦ ، الهمع ١ / ١٥٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٠٢ ، التصريح ١ / ٢٥٩.